صراع الأحزاب السياسية وأثره في ضعف إدارة الدولة
علي كريم خضير
بعد سقوط النظام السابق في العراق عام 2003م . شرعت الولايات المتحدة الامريكية في إقامة نظام جديد على أنقاض النظام السابق.
مغايرا له في الاتجاه، والقوة. وقد بذلت قصارى الجهود في سبيل فرض هذا النظام، من أجل إقامة دولة بسلطة تتناغم مع أفكارها، وطروحاتها في المنطقة.
بيد أن فشل ذلك المشروع بدا لها واضحا من أول وهلة، بأنه مشروع بعيد المنال، ولايسعه التطبيق في البيئة العراقية، لأن الشعب العراقي لايستطيع ان يتحمل العبودية للغير مهما كلف الثمن، وفعلا دفع العراقيون بسبب سياسة الامريكان غير الواقعية ثمنا باهضا.
كانت فيها فاتورة الدم العراقي تهرق يوميا بالمجان، وتحت ذريعة الإرهاب، وردود فعل عناصر البعث البائد.
وأصبحت السيطرة الفعلية من الحكومات المتعاقبة على مقدرات البلاد الاقتصادية، وتحقيق فرص التطور الصناعي، والزراعي، والتجاري شبه منعدمة.
هذا فضلا عن غياب الوعي السياسي في إدارة الدولة، وظهور عناصر، وقيادات برزت على حساب المال العام، وعلى أكتاف جمهور محدود التفكير.
كذلك، إن النظام الديمقراطي الذي فرضته الولايات المتحدة الامريكية على العراق، والقائم على أساس المحاصصة قد سمح لأطراف لاتشعر بتقبل النظام الحالي في المشاركة السياسية ، بسبب فرضيات النظام الديمقراطي الجديد، التي ألزمت جميع مكونات الشعب العراقي بالمشاركة.
تحقيق مشروعيةوهذا بدوره، قد حقق مشروعية كبيرة للدولة الغازية في إجتياح العراق، إذا ماعلمنا بأن فعل إجتياحها قد حصل من دون موافقة الأمم المتحدة على ضرب دولة تعد واحدة من اعضائها.
وعندما شعرت الولايات المتحدة الأمريكية أن الشعور العراقي العام بدا وكأنه يميل الى التمازج، والانصهار في بوتقة الوطن الواحد، أخذت تسعى الى جمع المتناقضات في صورة واحدة، بغية الوصول الى مرحلة الإنفجار الذي كانت تسعى إليه، لفرض أرادتها على جميع مقدراته.
إلا ان هذا المشروع بدوره لم يحظ بالنجاح، وتأكد لديها تماما أن العراقيين يختلفون في كل شيء، إلا أنهم يتوحدون أمام مسمى الوطن، وبرز لهم ذلك واضحا في معركتي الفلوجة، والنجف.
وكيف إن الصوت العراقي قد تغلب على كل الخلافات، وإن الجراح أصبحت تؤلم الجميع.
فعمدوا بعد ذلك الى الوغول في الإجرام بتشكيل عصابات مارقة تمارس أبشع حالات القتل، وتروع المواطنين.
فتقتل هنا، وتقتل هناك.
وليس لها من هدف إلا إثارة الحرب الطائفية، وزعزعة الأمن والمجتمع.
ومن المؤسف جدا، أن تلك الصفحة المروعة قد حطمت قدرة العراق والعراقيين تماما.
وجعلت أبناء العراق الشرفاء بين مهجر، ونازح من مكان الى آخر.
إذا كان شيعيا لايمكنه العيش وسط أبناء السنة.
وإذا كان سنيا لايمكنه العيش وسط أبناء الشيعة، إلا في حالات نادرة.
ولم يكن الإحتلال الأمريكي غافلا عن قراءة تأريخ العراق المعاصر في استخدام هذه الورقة السوداء. فالإحتلال الانكليزي قد سبقه الى ذلك، ومارس هذا الدور الشيطاني في إبتلاع العراق وتمزيق وحدته مطلع القرن الماضي وتمت في زمنه إنشاء المناطقية في العاصمة بغداد، فمثلا هناك مدينة الكاظمية ذات الغالبية الشيعية.
وان هناك الأعظمية ذات الغالبية السنية. وهناك كرادة مريم الشيعية، وقبالتها في الكرخ بعض المناطق السنية الخالصة وهكذا حرص الاستعمار أن لا يكون التمازج بين مكونات الشعب العراقي هو الصفة الغالبة، الأمر الذي يتيح له الفرصة من تحقيق مآربه الدنيئة من دون أدنى تضحية.
وقد شكلت الأحزاب الإسلامية القسم الأكبر من الخارطة السياسية في العراق. وجاءت في الأغلب الأعم تنادي بإقصاء معظم الكوادر المتقدمة الإدارية، والمهنية (العسكرية، والمدنية) على حد سواء من المشهد السياسي في إدارة الدولة، وأناطت ذلك إلى عناصر تتمتع بالولاء الحزبي، والطائفي من دون النظر الى النزاهة، والادارة، والثقافة في تولي المهمة. يضاف الى ذلك عدم جدية معظم الأحزاب من المكون السني في نجاح العملية السياسية، متعكزين على حجج واهية من أبرزها الاقصاء والتهميش، أو عدم المشاركة في ابداء القرارات، مغلبين المصالح الشخصية على المصلحة العامة.
إذ ان معظم تصريحاتهم الاعلامية خرجت في اطار تشويش فكر المواطن العراقي، ودفعه الى القلق النفسي على مستقبله، ومستقبل أبنائه، من أن الذي يجري في العراق لايمكن تداركه إلا في حلول وضعوها لخدمة مصالحهم، لا، لخدمة أبناء الوطن.
فهم يطرحون تارة فكرة الفيدرالية. وتارة أخرى الإبقاء على القوات الأجنبية الغازية بحجة فاعلية الوجود الأيراني في العراق. متناسين أن بقاء القوات الاجنبية يمثل بحد ذاته إستمرار للصراع الإيراني – الأمريكي في العراق.
ويخلق مبررا شرعيا لمظاهر السلاح المنفلت عن سلطة الدولة بالممارسة الميدانية، من وجهة نظر مقنعة تقع تحت مسمى (المقاومة).
عقوق الوالدين أما القوى الكردية فقد إعتادت عقوق الوالدين منذ زمن بعيد جدا ولا يمكن لها أن تؤمن اليوم بوحدة الشعب و الأرض إلا عبر فرضيات القوة الضاغطة، أو إتحاد رأي المكون العربي اتجاهها بالانفصال التام، أو الذوبان في الهوية العراقية الجمعية. وهكذا سادت نظرة اللامبالاة في إدارة حكم العراق، كذلك لم تستطع الأحزاب الدينية الشيعية المتنفذة من احتواء العربي الآخر بشكل شامل، وكلي. واقتصرت في الإحتواء على عناصر، ومشايخ، وقيادات حزبية لاتمثل الطيف العام، وإن كانت تقدم نفسها تحت يافطة الجمهور السني بأجمعه. وبذلك ضاعفت الأحزاب (الشيعية، والسنية، والكردية) حدة الصراع من خلال الإتكاء على الإرادة الخارجية من دون الجلوس على طاولة الحوار البناء، والتعاون على الخروج من محنته، واستثمار طاقاته البشرية، والإقتصادية من أجل النهوض بواقعه المؤلم. بل إستغل كل طرف من هذه الأطراف إمكاناته المتاحة في الدولة لإدارة الصراع الداخلي. ما أدى الى إرباك المشهد السياسي وجعل العراق ميدانا للصراعات الخارجية التي يقودها اللاعب الأمريكي، ويسهم في تأجيجها بين فترة وأخرى، حتى غدا الحال الى مالايحمد عقباه من تعاظم الفساد، وسيطرة المتنفذين على مقدراته بعيدا عن توفير أبسط سبل العيش الكريم للمواطن البسيط من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب.
آملين من الخطوات التي تتخذها الحكومة الحالية ان تجد أبعادا واسعة، على كل الإتجاهات، وفي مختلف الصعد، كي يسعد أبناء العراق بوطنهم المسترق، ويمزقوا جيوب الفاسدين أينما كانوا، لأنها فرصتهم الأخيرة التي ينبغي أن يوحدوا الصفوف فيها للقضاء عليهم، ويسندوا إجراءات الحكومة التي مازالت تجري على وتيرة متصاعدة، وخطى واثقة، ونجاح مؤكد إن شاء الله تعالى.