صائد الغنائم
نزار محمود
في البدء لا بد من تحديد ما أعنيه بالغنيمة لأغراض المقال:الغنيمة هي ما فاز به الإنسان أو ربحه أو ناله دون مشقة، أي دون عمل مقابل، وليس بالمعنى الديني حول غنائم الحروب وما شابه.في كل زمان ومكان تجد هناك من يتفنن في الأخذ والكسب دون مقابل على حساب من أعطى وأنتج، حتى في المجتمعات الشيوعية والاشتراكية والأسرية ذات الخصوصيات الحادة في عدالتها!لقد حلم، وما يزال يحلم، مصلحون ومتخصصون في مجتمع تتحقق به عدالة مطلقة، ويسعى ساسة وثوريون الى الانقلاب على مجتمعات الفساد التي تمتص فيها افواه اقوات غيرها.وليس ذلك مسألة نظم تربوية وسياسية وقانونية فقط، وإنما نوازع وفطر بشرية. صحيح ان تلك النظم تحد من جموح تلك الظاهرة البشرية، لكنها لا تستطيع الغائها أو القضاء التام عليها.عندما نزور رياض أطفال ونراقب عن كثب تصرفات هؤلاء الأطفال بدقة ووعي فإننا سنخرج باستنتاجات مفادها ان هؤلاء الأطفال ليسوا سواسية في حميميتهم وودهم وتعاونهم، لا بل وانانياتهم وحتى عدوانياتهم.وهكذا لو تمعنا النظر في ابناء أسرة واحدة، فما بالك بأبناء شعوب وأمم.لا زلت اذكر، وسأبقى، شعارات الشيوعية والاشتراكية الواقعية:الأول: من كل حسب طاقاته، ولكل حسب حاجاته.الثاني: من كل حسب طاقاته، ولكل حسب انجازه.بيد ان اداراتهم السياسية لم تمنع من أن يبخل الإنسان بتقديم كل طاقته، ولم تفلح في توزيع الثروة لكل حسب حاجاته أو انجازه. وعندما بالغوا في تطبيق ذلك تذمر كثيرون بصمت، وغطت وجوههم كآبة صفراء باهتة اللون! وهذا ما رأينا في ما حصل من أمر انهيار الانظمة الشمولية في شرق اوروبا وكيف استحوذت اطراف معينة على كثير من مصادر الثروة في مجتمعاتها.وفي هذا المقام لا بد من التطرق الى بعض من الخصائص النفسية لصائدي الغنائم:ان صائدي الغنائم هم من أولئك الذين لا ترضيهم القسمة العامة والعادلة بين الناس.هؤلاء تراهم في حساب دائم وترقب صامت لما يجري، وكيف يجري.ان سعيهم للحصول على الغنائم هو حاجة نفسية تؤرقهم، لا يشبعونها الا من خلال استحواذهم على الغنائم.انهم يستعدون ويعملون على توفير ما يمكنهم من الاستحواذ على الغنائم.هناك من لا تردعه ضوابط المنافسة الشريفة في الاستحواذ على المكاسب.أما ما هي الظروف التي تساعد لا بل وتشجع على التهافت على الغنائم؟قيم وسلوكيات تربوية شائعةادارات سياسية عامة فاسدةتشريعات مهلهلة أو غير حازمةقضاء مرتشي أو فاسد عموماًجهل وتخلف في الوعي والثقافةوفي الختام اقول: ان خطورة شريحة صيادي الغنائم تكمن في انتشارها، من ناحية، وتقبل ثقافة ممارستها واشخاصها من ناحية اخرى، وهي ثقافة قد تجدها في السياسة والاقتصاد وغيرها من جوانب الحياة.