شهادة الميلاد وشهادة الوفاة
نزار محمود
ليس هناك من إنسان على مدى التاريخ لا يحصل على هاتين الشهادتين! وشتان بين معنى الأولى ومعنى الثانية.فما الذي تعنيه الشهادة الأولى، وما الذي تعنيه الشهادة الثانية؟تعالوا نطوف معاً في رحلة تأملية قد تهدينا الى سكينة ورضا وطمأنينة، وتجنبنا القلق والحزن والتذمر في الحياة.وهذه الحكاية يمكن أن ترتدي ثوباً دينياً في فهمها والتعامل معها، وقد تختلف تفسيراتها بحسب تنوع الأديان ومذاهبها، وقد يجري مناقشتها بلغات أخرى
.عندما يبصر النور وليد وغالباً ما تتعالى الزغاريد ويقوم الفرح به، ذكر أو أنثى، يسرع في العادة والداه الى اختيار اسم له أو لها، أو ربما كان قد سبق ذلك ولادته. يذهب الأهل والأقارب والأحباب الى تهنئة الأم على سلامتها ومباركة مولودها، وتهنئة الوالد والدعاء بالوليد بحياة سعيدة في كنف أسرته. وفي هذا الحدث يحصل الإنسان على أول شهادة تثبت فيها بيانات حول تاريخ ولادته ووقتها ومكانها واسمه وجنسه ووزنه واسمي والديه، وربما بيانات اخرى حول ديانته ومذهبه وقوميته وربما يوماً ميوله السياسية المتوقعة!!! ( هههههه)شهادة الولادة كما لاحظنا لا تحتوي على بيانات كثيرة، على عكس ما يمكن أن تحتوية شهادة الوفاة. فشهادة الوفاة لا تقتصر على بيانات اسم المتوفى ومكان وفاته وعمره وسبب تلك الوفاة، وانما ستمتد الى قائمة طويلة من الأعمال والأفعال التي تركها المتوفى خلفه. فهذا أحدهم يتكلم عن هذه الخصلة الحميدة وعن ذاك الفعل الجميل، واذا كان هناك من يعرف عن المتوفى ما يكره ذكره، فإنه يحبس أسراره في داخله عن ذلك الشخص المتوفى، ناهيك عن الوفاة ذاتها، وهي في العادة، مناسبة حزن على المتوفى.وشهادة الوفاة تعني أشياء كثيرة أخرى، يتسابق الى إصدارها ذووا المتوفى من أجل البدء بتقاسم الميراث، أو ربما بالتقديم على الراتب التقاعدي أو الذهاب الى محامي المتوفى للوقوف على وصيته، أو التصرف بملكياته الفكرية أو العلمية أو الفنية.وهكذا وعندما نقف أمام هاتين الشهادتين، شهادة الميلاد وشهادة الوفاة، فإنه ينتابنا شعوران مختلفان: شعور بتصور ما يخبئه القدر للوليد من طول عمر وحياة، وشعور يأخذنا معه الى تصفح كتاب المتوفى في صالح وطالح أعماله.
إن ما يجب علينا، نحن الذين لا نزال أحياء، ونحن نحدق في شهادات ميلادنا، أن نتذكر ما نحبه ويجب أن تحتويه شهادات وفاتنا من أعمال صالحة ونافعة، كي تزين الجدار الذي تعلق عليه.