شكوى لكن لغير الله
الكاتب علي علي
لاشك أن الطفولة في حياة كل منا تكون نسيا منسيا في كبره، لاسيما السنوات الخمس الأولى منها، فهي تندرج في متاهات النسيان إلا مايعلق منها في اللاوعي من عقولنا. أما السنة السادسة من أعمارنا فلها شأن آخر وطعم مميز عن سابقاتها، ففيها وطئت أقدامنا الغضة لأول مرة مؤسسة حكومية، وصار لاسمنا فيها ملف وصورة ومكان وعنوان، وعلى أعتابها سنتعلم أبجديات اللغات، ونتلقى علوما تمكننا من الوقوف مستقبلا على أرضية صلبة، تحملنا الى حيث مكانة مرموقة في مجتمعنا، تلك هي أعتاب المدارس الابتدائية.
اليوم.. وقد كبرنا، صرنا نعاني من أجل أولادنا مآسي التعليم وماوصل اليه من وضع مزرٍ، أكثر مما كنا نعانيه في صغرنا، رغم أن بلدنا اليوم بات يستظل بحكومة منتخبة وحكم ديمقراطي خلاف ماكان بالأمس. فمن شأننا العراقي الذي نتعايش ونعيش معه يوميا وتفصيليا باستمرار، والذي يبدو ان المسؤولين في الحكومة تبديه اهتماما شكليا وهامشيا، هو شأن التعليم في المدارس الابتدائية والثانوية. فمن يترقب ويتتبع بهرج الاخبار والتصريحات الرنانة، يجد ان مراحل بناء المدارس تكاد تكتمل، ولم يبق طالب إلا ويجلس على رحلتين إحداهما صيفية والأخرى شتوية، فضلا عن باقي الاحتياجات والمستلزمات. اما عقود بناء المدارس بالهياكل الاسمنتية والحديدية -ولاأدري ان كانت هناك عقود أخرى من أساليب البناء تتعاقد بها الدولة ذات الموازنات التريليونية- فهي عقود على قدم وساق، وهذا ضمن فترة حكومة زيد وعبيد وآخرين دون استثناء.
ويصرح ناطق او مسؤول بين الفينة والأخرى، معلنا ان لاوجود للمدارس الطينية بعد اليوم، والمدارس باتت مطلية بـ (الآجر) التركي والمرمر الإيطالي المرصع بالفسيفساء البيزنطي، الى غيره من دلال وعز و (نغنغة) للطالب العزيز، فهو غرس الحاضر وجني المستقبل، والأمر في الحقيقة وواقع الحال مغاير تماما لكل هذه التصريحات. أما على نطاق الكادر التدريسي وهو جوهر التعليم، فالحديث عنه يختلف من قبل المسؤول مديرا كان أم وزيرا! فهم يقرّون ويوضحون بكل صراحة، انهم يعانون من قلة الكادر التدريسي، وقلة الخريجين من الاختصاصات التدريسية لاسيما العلمية منها.
إن موضوع التعليم موضوع جوهري في بناء حاضر البلد ومستقبله، والحكومة ملزمة بإيلائه الأولوية والأهمية القصوى لاحتضان طلابنا، فالكلام عن مدارسنا يحتاج إلى جدية القول وجدية الفعل في نفس الآن والآنية. ولاأظنه خفيا على المسؤولين كافة وضع المدارس في (لبّة بغداد) ناهيك عن أطرافها وباقي المحافظات العراقية.
لقد بات من واجب المسؤولين أخذ موضوع كهذا على محمل الجد، والإسراع بتلقف أبنائنا ووضعهم في مكان يتناسب مع قيمة العلم والتعليم، واللحاق بركب التطور في العالم الذي اساسه بلا أدنى شك هو العلم. ولست هنا في موضع طرح شكوى أمام المسؤولين ذلك انه من واجبهم الوطني والانساني، وإن أردت طرحها فأمام أي مسؤول أطرحها! وجُلهم في غنى عن التفكير بها، فأولادهم يتلقون التعليم في مدارس خاصة وخاصة جدا بكامل المواصفات (FULL SIZE). وهم بعيدون عن الـ (كورونا) وباقي الأمراض، أما (ولد الخايبة) من ذوي الدخل المحدود والمفقود فـ (إلهم الله).
فهل تُنسي المناصب من اعتلاها واجباته؟ أم أن الجيوب حين تمتلئ تعمى البصائر، وتتبدد مخافة الله، ويكون الراعي حينها غير مسؤول عن رعيته!