شرف المتنبي الرفيع
حمزة مصطفى
قضى المتنبي, شاعر العربية الأفخم, عمره يهدد ويتوعد. أنانيته المفرطة قادته الى جملة من المشاكل والأزمات والإشكاليات مع نفسه ومع ناقته ومع حصانه ومع سيف الدولة ومع الأستاذ كافور الأخشيدي.
لم يزد في الشعور بتفوق النفس عن المتنبي سوى إمرئ القيس.
ومع أن رواة الشعر من أمثال خلف الأحمر وحماد عجرد ومن بعدهم المشككون من كبار الأدباء وفي مقدمتهم عميدهم طه حسين ليسوا متأكدين من أن صاحب قفا نبك هو القائل عند عودته من رحلة العار الى هرقل الروم “ولو أنها نفس تموت جميعة .. ولكنها نفس تساقط أنفسا”, لكنهم متاكدون واثقون أن المتنبي هو صاحب هذا البيت:
“ما أبعد العيب والنقصان عن شرفي .. أنا الثريا وذان الشيب والهرم.
ليت الغمام الذي عندي صواعقه .. يزيلهن الى من عنده الديم”.
لست أريد الإسترسال والإ لأوردت أبياتا أخرى على شاكلة :
“أنا الذي نظر الأعمى الى أدبي ..الخ” وسواه .
لكن ما أريد قوله أن المتنبي كان واثقا مطمئنا لأن مفهومه للشرف الرفيع يختلف عن مفاهيم عصرنا ومشاكله ومنغصاته التي يمكن أن تطلع لك حتى بصينية فطورك وأنت تزدرد بيضة مسلوقة أو خبط مع لطعة عسل وقيمر إن وجد. المتنبي خصم القصة منذ البداية بقوله “لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى .. حتى يراق على جوانبه الدم”.
لم يكن المتنبي في هذا البيت أو سواه الإ جزء من تركيبة عصره وفهمه لدواعي الشرف ومفاهيمه ودوافعه وكيفية الدفاع عنه.
الوسيلة الوحيدة التي بقيت متاحة للدفاع عن الشرف هو الدم وبلغة عصرنا “غسل العار”.
لكن هل طرأت معايير جديدة بحكم العصر وتقنياته وأخيرا وسائله الإعلامية ووسائطه المجتمعية التي نختصرها بـ “السوشيال ميديا” حول مفهوم الشرف؟ الإجابة عن هذا السؤال تبقى تراوح في منطقة قلقة بين مفهوم ثابت للشرف لايتغير بصرف النظر عن كون المجتمع متقدما أم متخلفا وبين مابات يسمى اليوم إنتهاك الخصوصية؟ لكن ماهي الخصوصية؟ شرعا الفواحش ومنها الممارسة الجنسية خارج مؤسسة الزواج حرام وهو ما لايحتاج الى توضيح طبقا للقران الكريم.
لكن حين جاء ذكر “الزنى” فإن الأمر إحتاج الى توضيح وشهود لإثبات الواقعة. الزنى حرام بوصفه فاحشة لكن إتهام شخص بممارسته يحتاج الى أدلة وأدلة صارمة “أربعة شهود يرون الواقعة كاملة” أي وفقا لمعاييرنا اليوم “صوت وصورة”.
لماذا؟ حتى لايتهم الناس بالباطل. وفي حال الإثبات تترتب عقوبة دنيوية على الزانية والزاني مع أن هناك عقوبة أخرى أخروية تنتظرهما كون آية التحريم صريحة.
نقف هنا حيال أكثر من إشكالية بشأن مفاهيم الشرف من جهة وهو بعرف المتنبي شرف رفيع يستوجب إراقة دماء للذود عنه, ومفاهيم الخصوصية وكيفية إنتهاكها من جهة أخرى.
أين تقع واقعة أو حادثة التقاط صورة في تجمع عائلي بصرف النظر عما يبدو من مشهد حميمي نوعا ما في طريقة أو زاوية التقاط الصورة؟.
هنا نقف حائرين بين النظر الى الأمر من زاوية حسن النية طالما أن الأمر معلن وأمام الملأ وبين العودة الى مفاهيمنا الثابتة عن الشرف الرفيع ومن ثوابته عدم مشروعية المشهد بصرف النظر إن كان عائليا معلنا أم خاصا خلف حيطان التي بالضرورة لها كما تقول الأمثال آذان.
وآذان حيطان أيام زمان تختلف عن آذان حيطان اليوم.
في الماضي “بسبسة” وكلام قد “يودي في داهية” أو قد لايؤدي , بينما اليوم مشهد ينتشر بعد لحظات من نزوله على أول هاتف خلوي مثل النار في الهشيم. وما نار السوشيال ميديا الإ من مستصغر .. الصور.