سندات اليورو… ألامل الجديد للخلاص من دمار كورونا
لقبت بالعديد من الأسماء منها “سندات اليورو” و”سندات كورونا”، وأطلق عليها رئيس وزراء إيطاليا جوزيبي كونتي لقب “سندات التعافي الأوروبية”،
فتنوعت الأسماء والغرض واحد، هو إتاحة قناة شرعية لإقراض الدول المتضررة من جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، بشرط أن تكون الدولة عضوا في الاتحاد الأوروبي.
الأمر الذي أربك الكبار من أعضاء الاتحاد الأوروبي وبالأخص ألمانيا وهولندا، خصوصا أن لا أحد يعلم حتى الآن إلى أين ستنتهي أزمة كورونا؟، وكم تقدر تكلفة التعافي الاقتصادي؟، لذلك تجتمع المفوضية الأوروبية الثلاثاء المقبل لبحث الأمر وإصدار قرار بشأنه بعد التصويت عليه من قبل 19 دولة.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا، هل “سندات كورونا” هي الأمل لإنقاذ أوروبا من مقصلة وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)؟، لقد تباينت الآراء بشأن هذه السندات فهناك بعض الدول المؤيدة وبشدة للأمر مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، بينما هناك دول أخرى مثل ألمانيا وهولندا ترى أنه ليس بالضرورة تحمل أعباء مالية لدول أخرى لم تُجدْ إدارة الأزمة.
وأودى فيروس كورونا المستجدّ بحياة ما لا يقل عن 65272 شخصاً في العالم منذ ظهوره في ديسمبر/كانون الأول الماضي في الصين، وفق تعداد أعدّته وكالة فرانس برس استناداً إلى مصادر رسمية اليوم الأحد عند الساعة 11,00 بتوقيت جرينتش.
وتم تشخيص رسمياً أكثر من 1206480 إصابة في 190 دولة ومنطقة منذ بدء تفشي الوباء. غير أن هذا العدد لا يعكس سوى جزء من الحصيلة الحقيقية لأنّ عدداً كبيراً من الدول لا يجري فحوصا إلا للحالات التي تستوجب النقل إلى المستشفيات. ومن أصل هذه الإصابات، شفي 233300 شخص على الأقل حتى اليوم.
إسبانيا: “حان وقت تبادل الديون”
حض رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز الاتحاد الأوروبي، اليوم الأحد، على إصدار “سندات كورونا”، عندما كتب في نسخة اليوم من صحيفة “فرانكفورتر ألغماينيه زايتونغ” الألمانية “حان وقت تبادل الديون”.
وأضاف: “حان وقت التحرّك بتضامن عبر تأسيس آلية جديدة لتبادل الديون والتحرّك بشكل موحد لجلب المعدات الطبية الضرورية ووضع استراتيجيات منسّقة ضد الجريمة عبر الإنترنت وإعداد خطة شاملة من أجل تعافي القارّة بشكل سريع وملموس.
وأشار إلى أن هذا النوع من التحرّك المشترك سيعني “أنه لا توجد فجوة تفصل بين الشمال والجنوب، وأنه لن يتم التخلي عن أحد”.
فرنسا متعاطفة وألمانيا تتمنع
وتطالب إيطاليا وإسبانيا، بدعم من فرنسا (التي أبدت تعاطفها من قبل) وبعض كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي، بما باتت تعرف بـ”سندات كورونا” التي ستسمح للبلدان الأكثر تأثّرا بفيروس كورونا المستجد بجمع التمويل عبر أسواق المال تحت مظلة الاتحاد الأوروبي.
ويوضح المدافعون عن الفكرة أن من شأن ذلك خفض تكاليف ديون هذه الدول وهو ما يعني أنه سيكون بإمكانها جمع الأموال دون الإعلان عن نفسها أنها مفلسة.
لكن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي شددت على الحاجة لضبط الموازنات رفضت هذه المقترحات بشدّة.
ورفضت ألمانيا، كغيرها من دول الشمال الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل هولندا، الفكرة مرارا معتبرة أنها مجرّد محاولة من دول جنوب القارة لاستغلال معدلات الفائدة على القروض المنخفضة التي تتمتع بها الدول ذات الموازنات المتوازنة.
“آلية الاستقرار الأوروبية”
وبدلا من ذلك، تدرس حكومة ميركل احتمال اللجوء إلى “آلية الاستقرار الأوروبية” التي أشار وزير المال الألماني أولاف شولتز إلى إمكانية تفعيلها “دون أي شروط غير منطقية” لمساعدة الدول التي ترزح تحت وطأة تداعيات كوفيد-19.
ويذكر أن “آلية الاستقرار الأوروبية” بمثابة صندوق للإنقاذ تأسس في أوج أزمة ديون منطقة اليورو في 2012 وساعد على تمويل برامج الإنقاذ الضخمة التي كانت ضرورية آنذاك. لكن عادة ما تترافق مساعداته مع شروط مشددة ومنهكة.
وزراء مالية اليورو يبحثون إصدار سندات كورونا لمواجهة تداعيات الوباء
وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي اتخذ بالفعل العديد من الإجراءات لحماية اقتصاد التكتل، كما حذر المسؤولون من أن تفشي مرض “كوفيد-19” الناجم عن الإصابة بفيروس كورونا، قد يؤدي إلى حدوث انكماش اقتصادي يمكن مقارنته بعام 2009، وهو العام الأسوأ للأزمة المالية في أوروبا.
وتشمل الإجراءات التي اتخذت بالفعل تخفيف القواعد المالية الصارمة للتكتل، وتكييف المبادئ التوجيهية الخاصة بما تقدمه الحكومات الأوروبية من مساعدات داخلية، وإطلاق البنك المركزي الأوروبي خطة طوارئ بقيمة 750 مليار يورو (814 مليار دولار) لشراء السندات.
“برلين قادرة على تحمل الكلفة”
وبالنسبة لسانشيز، يمكن لآلية الاستقرار أن تكون نافعة مبدئيا عبر ضمان حبل نجاة ماليا للاقتصادات المتضررة، لكنه “لن يكون كافيا على المدى المتوسط”.
وأضاف: “التحدي الذي نواجهه هائل وغير مسبوق. يحتاج إلى استجابة قوية للغاية وطموحة وتتم بالإجماع للمحافظة على منظومتنا الاقتصادية والاجتماعية”.
وتزداد حدة النقاش بشأن سندات كورونا في وقت يتوقع أن يعقد وزراء مالية منطقة اليورو محادثات الثلاثاء لتحديد خطوات التكتل المقبلة لمواجهة التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا المستجد.
وفي الأثناء، تتكثّف الدعوات حتى داخل ألمانيا لميركل لإبداء بعض المرونة بعد سنوات على تمسكها بأشد أشكال الانضباط المالي.
وهذا الأسبوع، اتهمت مجلة “دير شبيجل” برلين “بالافتقاد إلى التضامن وضيق الأفق والجبن” عبر رفضها دعوات بقية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
انقسام أوروبي حول سندات اليورو لعلاج كورونا اقتصاديا
وجاء في افتتاحية المجلة أن “سندات اليورو هي سندات مشتركة لجميع دول منطقة اليورو، لا اتحاد تحويل أموال”.
وبينما من شأن سندات كهذه أن تجعل الإقراض أعلى ثمنا بالنسبة لألمانيا وأرخص بالنسبة لإيطاليا، إلا أن “برلين قادرة على تحمّل هذه الكلفة”.
وأضافت “دير شبيجل” أنه “في المقابل، ستكون روما قريبا غير قادرة على الاستدانة وحدها في أسواق رأس المال كون معدلات الفائدة مرتفعة كثيرا”.
وأما صحيفة “بيلد أم سونتاج” فتجنّبت تبني أي موقف حيال الأمر حيث فضلت نشر مقالين، أحدهما مع والآخر ضد.
وفي أحدهما، أشارت إلى أن الفشل في إبداء التضامن قد يدفع “العديد من الدول لإدارة ظهرها جراء خيبة أملها من الاتحاد الأوروبي”.
وأما المقال المعارض، فنوّه بأن إصدار سندات كهذه “سيؤدي بلا شك إلى السخط والنزاعات لأن كل حكومة ستتعامل مع أموال دافعي الضرائب بأساليب مختلفة”.