سقف القاعة تحت سقف البلد
فاتح عبدالسلام
يوم حدثت المجزرة ضد مسجد في نيوزيلندا قبل سنوات، حين دخل متطرف بسلاحه الناري وحصد المصلين الذي لم يكن لهم منفذ للهروب من الرصاص، تحدثت هنا، عن ضرورة ان يكون في المساجد الكبيرة او الصغيرة مخارج طوارئ، وكذلك في القاعات الاحتفالية، وان يكون ذلك من اساسيات البناء ومنح التراخيص. وفي قاعة الاعراس في قرقوش المنكوبة بالموصل، رأينا ان لا مدخل أو مخرج لمكان يتسع أكثر من ألف شخص سوى باب واحد للدخول والخروج، كما لا توجد نوافذ بمساحات واسعة يمكن ان تتحول الى مخارج للإنقاذ عند اللزوم
. فضلاً عن عدم وجود أجهزة إطفاء بما يتناسب مع هذا الحجم الكبير للقاعة، وكانت البلدة بكاملها لا تملك سوى سيارة واحدة للإطفاء بربع حوض مملوء بالماء. بدأت الأنظار تتجه نحو الجهة المحتملة التي تقع عليها المسؤولية، مع صاحب القاعة طبعا. وظهر انه هناك أكثر من وزارة او جهة حكومية مسؤولة عن منح التراخيص الواجب توافرها.
وتعددت الآراء في الجهة التي تتحمل وزر هذه الجريمة النكراء قبل سواها. ويبدو انّ أي تحقيق سيظل يدور في حلقة مفرغة مادام إقرار قانونية أي مشروع في البلد بات مجرد تجميع اوراق بأي وسيلة من فوتق الطاولة او تحتها، ومن دون ان تكون هناك جهة قادرة على أن تضع تقييماً لسلامة التراخيص الجزئية وتتحقق من تنفيذ الشروط كاملة بعد الانجاز ، كما انّ المواصفات المثالية في الشروط لا تبدو موجودة أصلا ، لذلك يجري الاهتمام بالشكليات من دون تقدير موقف مستقبلي للطاقة الاستيعابية من البشر الذين سيتجمعون في مكان واحد، وتحت سقف واحد، لا يعلمون، كما لا تعلم أي جهة منحت التراخيص مدى قدرته على الصمود عند وقوع حادث صغير أو كبير.
إنّه من المضحك المبكي، أن نبحث عن حسن تقدير موقف غائب في حماية الف شخص عند الاجتماع تحت سقف واحد مدة ساعتين أو ثلاث ساعات، ولا نقف عند اجتماع أكثر من أربعين مليون نسمة من دون سقف أصلاً في بلد تتجاذبه متناقضات وتيارات وتوجهات لم توفر من شروط السيادة والمنعة والعيش الكريم لأبنائه سوى ما تأخذه الكاميرات الرسمية في الاعلام التابع .أربعون مليون بحاجة شديدة للوثوق بأنّ هناك سقفاً عالياً ومنيعاً للبلد، لكي يناموا مطمئنين على مستقبل أطفالهم، بعد ان اصابهم اليأس في ان يشهدوا لأنفسهم انتقالة تناسب إمكانات الثروات التي يتمتع بها العراق.
وسقف البلد الذي يراد له عدم الاهتزاز والانهيار، لا يرتفع عاليا وقويا وحصينا ضد الهزات والرجّات والرياح الا في حال اختفاء مفردة الفساد من الحياة العامة، وتنقية الوضع السياسي والاقتصادي، حتى لو تكلف ذلك جراحات مستعصية.