زيادة نشاط “داعش” الأخير بالعراق.. الأسباب والتداعيات المستقبلية!
الكاتب محمد وذاح
شهد الساحة الأمنية العراقية، الأيام الماضية، تصعيداً خطيراً للجماعات الإرهابية التي تنتمي إلى تنظيم “داعش”، إذ كثف مسلحوه هجماتهم في المناطق صلاح الدين وديالى وكركوك ومنطقة “جرف النصر” في محافظة بابل التي تعد خاصرة العاصمة بغداد من الجنوب والقريبة من مدينة كربلاء المقدسة.
الهجمات التي شنها التنظيم الإرهابي استهدفت قوات الأمن العراقية ودورياتهم ونقاط التفتيش، إلا ان تركيزها كان في المقام الأول على الحشد الشعبي والعشائري، إذا ما نظرنا بشكل بنورامي الى جل تلك الهجمات الإرهابية التي يقوم بيها مسلحو “داعش” مؤخراً.
وبحسب خلية الإعلام الأمني العراقي، أن تنظيم داعش الإرهابي يعود تدريجياً الى المواقع التي تركها وهو يكثف نشاطاته بين المناطق شمال وغرب البلاد، وقد سجل له خلال أسبوعين (50) هجوماً اغلبها كان ضحايها من قوات الحشد العشائري في مدينة كركوك وديالى والانبار وصلاح الدين اضافة لفصائل الحشد المرابطة في منطقة جرف الصخر، إلى ذلك أشارت خلية الإعلام إلى مقتل (170) من أفراد الأمن والمدنيين على يد مسلحي تنظيم داعش منذ مطلع العام الجاري 2020.
يتضح من خلال ذلك، أن تنظيم “داعش” يعمل على تطوير هجماته بل سيعى إلى تغيير تكتيكاته الى ابعد من ذلك، عبر الاغتيالات والعودة للتفجيرات بواسطة العبوات أو المفخخات، ما يعني إن تنظيم داعش “لا يزال يمتلك ما يكفي من الإمكانيات القتالية لتهديد الأمن والاستقرار في العراق”!!!
اسباب زيادة نشاط داعش بالعراق
ويؤشر العديد من المراقبين للشأن العراقي ومتخصصين بقضايا الأمن، أن هنالك عدد من الأسباب التي كانت دافعا وداعماً لتحركات تنظيم “داعش” الأخيرة عبر استهداف القوات الأمنية والحشد الشعبي في مدن شمال وغرب العراق التي يفترض أن تسمى فعلياً “المدن المحررة من داعش” ولكن الوقائع والأحداث الأمنية تثبت عكس ذلك. ومن ابرز اسباب عودة داعش:
أولاً: تقليص وجود الأمريكيين!
نشرت صحية “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية، مؤخراً مقالا مطولاً لمدير مركز المعلومات العلمية التحليلية بمعهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، (نيكولاي بلوتنيكوف)، يؤشر من خلاله عدد من الأسباب عودة نشاطات “داعش” بالعراق، أبرزها؛ تقليص وجود الأمريكيين وحلفائهم في التحالف الغربي في هذه المنطقة من العراق؛ وسوء التفاعل بين القوات المسلحة العراقية في محاربة التنظيم؛ ووباء فيروس كورونا”.
ويرى بلوتنيكوف أن قبل اغتيال الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد ابو مهدي المهندس، كان هنالك تبادل استخباراتي بين الجيشين العراقي والأمريكي إلا أنه انتهى بعد ذلك التاريخ، إلا أن هذا التفاعل الاستخباري مع الأمريكان استمر فقط مع الجانب الكردي، فتواصل وحدات مكافحة الإرهاب التابعة لهم مع البيشمركة تنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب بالتعاون مع الجيش الأمريكي في محافظة كركوك.
ويضيف كاتب المقال أن محافظة الأنبار حيث تزايد العمليات الإرهابية، فتقوم وحدات الجيش العراقي بعمليات مكافحة الإرهاب هناك، من دون وجود دعم وتغطية أمريكية.
فقد توقف الأمريكيون عن دعمهم جويا وعن جمع المعلومات الاستخبارية لمصلحتهم، فالأمريكيون الآن، أكثر تركيزا على حماية أماكن انتشارهم وإجراءات منع تفشي الفيروس في قواعدهم.
وبين بلوتنيكوف “من نواح عديدة”، أن تنظيم داعش مهيأ بشكل جيد للعمليات أثناء الوباء، حيث تعمل وحداته بشكل مستقل، وتعيش في ملاجئ نائية ومخابئ تحت الأرض، وتستخدم مخابئ للأغذية والمياه، يتم تجديدها بانتظام من قبل متعاونين معه، وتستخدم الألواح الشمسية كمصادر للكهرباء”.
ثانياً: ضغط فايروس كورونا على القوات الأمنية
القوات الأمنية العراقية بجميع صنوفها اضافة للحشد الشعبي، استنفرت جميع طاقاتها منذ شهر شباط الماضي (2020) لمواجهة وباء كورونا الذي يجتاح العراق والعالم ويتسبب بوفاة الالاف من الاشخاص.
انشغال القوات الأمنية والحشد كان من خلال المشاركة في عمليات تعفير وتعقيم المناطق صفا الى صف مع كوادر الصحية، اضافة الى انتشارها بشكل واسع بالمناطق وتشكيل نقاط التفتيش متعددة، بعد فرض السلطات العراقية حظر التجوال في عموم البلاد وهذا الأمر ضاعف الضغط على القوات الأمنية، الأمر الذي استغله مسلحو تنظيم “داعش” الإرهابي لصالحه عبر تكثيف هجماتهم في مناطق عدة بالعراق الذي يكافح لتطويق انتشار فيروس كورونا في البلاد.
لا ثالثاً: “داعش” يستغل دعوات اضعاف الحشد الشعبي
منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية في العاصمة بغداد ومدن وسط وجنوب العراق في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وما رافقها من عنف وقتل للمتظاهرين واغتيال للناشطين، كان هنالك أصوات تدفع بإتجاه زج أسم الحشد الشعبي في عملية استهداف المتظاهرين وقتلهم وهذا الأمر كان له صداه في نفوس المتظاهرين الأمر الذي دفعهم بمهاجمة معظم مقار ومكاتب الفصائل والأحزاب الشيعية العراقية في جنوب ووسط البلاد وتسبب بقتل قيادات في الفصائل كما حصل في محافظة ميسان.
جزء من مسؤولية زج أسم الحشد الشعبي في مواجهة المتظاهرين، يتحمله بعضه القيادات في فصائل الحشد الشعبي، فعلى الرغم من إعلان دعمها لمطالب المتظاهرين إلا أن تلك القيادات لا تأتي فرصة إلا واستغلتها في تخوين المتظاهرين واعتبارهم أدوات بيد خارجية تحركها يمينا وشمالاً على الرغم من الدعم والإسناد الواضح الذي ابدته المرجعية الدينية العليا للاحتجاجات منذ انطلاقها.
ممآلات زج اسم الحشد الشعبي كخصم للتظاهرات الشعبية بالعراق، استغلته الأطراف المعادية للحشد منذ لحظة انطلاق تلك الاحتجاجات، كانت على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، عبر الاستهداف السياسي لإضعاف الحشد او من خلال استهدافه عسكرياً عبر قصف مقاره في مناطق عدة بالانبار وصلاح الدين وكركوك وديالى وجرف الصخر، وما عملية اغتيال قادة الحشد (ابو مهدي المهندس) ورفيقه (قاسم سليماني) إلا فرصة مؤاتية استثمرتها في وقتها واشنطن، بسبب السخط الشعبي ضد الاحزاب وقيادات سياسية الفاسدة بالعراق، لأن الامريكان، ما كانوا يتجرؤون على استهداف قيادات الحشد الشعبي، قبل لحظة انطلاق الاحتجاجات حتى لو قصف ٥٠ موقعاً وقاعدة لهم بالعراق.
كما أن قوى وبعض القيادات عراقية داخل العملية السياسية ومن خارجها، مثل لها اضعاف واستهداف الحشد وقياداته، هبة بعثها الله لهم من السماء، فطالما انتظرت هذه الجهات الفرصة المناسبة لتكشر عن انيابها وتحاول استغلال الظروف الموضوعية لمهاجمة الحشد أو اضعافه من خلال التصريحات او المطالبات بإخراجه من “المدن والمناطق المحررة”، وما الدعوات المستمرة لأعضاء في تحالف القوى العراقية وأخرها أول أمس بإخراج الحشد من مدن الانبار، إلا واحدة من تلك المحاولات لإضعاف الحشد التي تمثل دافع يستثمره تنظيم “داعش” لشن هجماته على مقار وعناصر الحشد الشعبي والعشائري.