رمضان عشرة عمر
هادي جلو مرعي
كانت الشمس تلقي بجبروتها في الفضاء المفتوح، بينما عمال البناء رفقتي يستعدون للذهاب الى بيوتهم القريبة من موقع العمل، وكان عبارة عن مدرسة للصغار، وكنت صائما مطلع شهر رمضان، وكان جاء ذلك العام في بداية الصيف، وكنت قررت البقاء حتى يعودوا لنكمل العمل، حتى الثالثة، أو الرابعة عصرا، وإحتميت من الشمس في ظل الجدار المبني للتو، والمرتفع قليلا، ثم تتالت الأعوام وكان يأتي ذلك الشهر المفعم بالتحدي
متقدما بضعة أيام حتى إستهلكت التسعينيات وأنا أصومه دون تردد.
في التسعينيات من القرن الماضي تقدم رمضان نحو الربيع، ثم ذروة الشتاء، ثم الخريف، وكان يستهلك سنينا عدة، وهو لايفارق البرد، أو الدفء بعيدا عن الجحيم الذي يعدنا به الصيف، وفي بعض لياليه الباردة كنت أرتجف من شدة البرد وأنا أصلي رفقة قريب لي صلاة الليل، وبعضا من النوافل والصلوات المستحبة، وأقوم وليال القدر، أو أتلوا القرآن والدعاء، بينما كنت أرجو بعض الدفء حتى إنتهيت معه الى الصيف مطلع الألفية الثالثة، فصار يباغتنا في سبتمبر، ثم في أغسطس القاسي، ويوليو ويونيو، وهاهو يعود الى سابق عهده عندما بدأت علاقتي الطيبة به، مقتربا من الربيع، ومنتشيا بالمضي نحو قلب الشتاء خلال سنين مقبلة قد نعيشها، أو لانعيش.
ومثلما كنت أصوم في الشتاء، وأرتجف في الليل من شدة البرد كان علي أن أتحمل قسوة الصيف وحرارته التي كنت أشعر بها في دماغي حتى إنني لسبب ما كنت في مكان من بغداد قبيل المغرب، وكنت أشعر أن رأسي مثل قدر فيه ماء يفور، وكنت أقول لصاحبي ذلك، فكان لايعترض، فهو يعاني مثلي، وكنت أمر على مرآب السيارات مغادرا الى البعيد كل يوم قبل أن يؤذن مؤذن المغرب لعلي أصلي قبل ذلك بدقائق، وكنت أبتاع قنينة ماء بارد، وأرمي به على وجهي، وكنت أنظر الى رجل يجلس جواري في السيارة أعرفه، وكان يعمل بالمياومة، وكانت شفتاه مبيضتان لفرط العطش والتعب.
يأتي شهر رمضان هذا العام غير بعيد عن نهاية الربيع، وليس بالبعيد عن مطلع الصيف، ولكننا لن نعاني كثيرا لامن برد، ولامن حر، وإن كان البرد أيسر من الحر في بلد مثل العراق، لكننا نعيش معاناة الخوف من وباء كورونا، ومخاطر إنهيار العالم، وجائحة الفقر، والحاجة، ونشعر كم إننا بحاجة الى الله. فليس الصالحون هم الذين يتقبلهم الله وحسب لأن هناك من هم أكثر حاجة منهم إليه، وهم المذنبون، ومرتكبو الخطايا.