راتبي دمّر الميزانيَّة التشغيليَّة
نوزاد حسن
حين يتحدث مسؤولون في الحكومة او حتى اعضاء في البرلمان عن قانون الموازنة العامة، فإنهم يشيرون دائما الى ان الميزانية التشغيلية تأخذ النسبة الاكبر من عائدات الحكومة المالية، ويبقى القليل للميزانية الاسثمارية.
وفي كل عام قبل اقرار الموازنة يعاد حديث الميزانية التشغيلية الثقيلة، التي تذهب كلها على شكل رواتب، ويبدأ التوضيح الممل الذي يجعل من رواتب الموظفين والمتقاعدين سببا في تقليل الخطط الاستثمارية، ثم ترتب الحجة بشكل منطقي ومقنع، حين يقوم مسؤول متحمس جدا بالحديث عن اكثر من 4 ملايين موظف، وكذا مليون متقاعد، بهذه الطريقة يريد منا هذا المسؤول او ذاك أن نعرف أين تكمن المشكلة.
من المؤكد أنَّ الحديث عن الميزانية التشغيلية ليس كما نسمعه في الاعلام، واذا كانت هناك وجهة نظر تقول إن الموظفين والمتقاعدين ارهقوا كاهل الحكومة، فإنَّ الحقيقة التي لا جدال فيها أن صندوق الميزانية التشغيلية يضم ايضا رواتب المسؤولين في الحكومة، هذا يعني أنَّ الحديث يجب أن يتطرق الى الرواتب والامتيازات الضخمة، كما يتطرق دائما الى الموظفين والمتقاعدين. تشير الخبيرة الاقتصادية نجاح سميسم الى أنَّ مجموع ما يتقاضاه المسؤولون من مدراء عامين ومستشارين ووكلاء وزاء وقضاة ورئاسات ثلاث من رواتب شهرية يصل الى 43 مليار دينار عراقي، ويشكل هذا الرقم نسبة 73 بالمئة من الميزانية التشغيلة، وما تبقى يذهب الى الموظفين والمتقاعدين.
أشعر حين استمع الى اي حديث عن عدم التوازن بين الميزانية التشغيلية والاستثمارية، أنَّ راتبي هو السبب في كل هذه المشكلات، وان ما اقبضه شهريا هو عقدة العقد، أنا مذنب في نهاية الامر، ولو اني كنت يابانيا بالفطرة لتخليت عن راتبي وعملت بأقل القليل.
راتبي كما أظن هو مشكلة مزمنة، وعلاوتي السنوية التي اقبضها وهي سبعة آلاف دينار تزيد الوضع سوءا، وترفيعي الذي يتوقف أحيانا بضعة اشهر يكسر ظهر الميزانية الاستثمارية، لذا انا اعتذر من الميزانيتين معا. أنا اتذكر حكمة وجهها القائم بالاعمال الياباني في بغداد للحكومة العراقية، وقد سأله مقدم برامج شاب عن نصيحته للعراقيين فقال: وضع بلدكم يشبه اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، عليكم ان تعملوا بنكران الذات، بعدها ستحصلون على كل شيء.