رؤساء ليوم واحد
رباح آل جعفر
عرض الرئيس جمال عبد الناصر على العالم بالفلسفة أحمد لطفي السيد أن يكون أول رئيس لجمهورية مصر العربية فاعتذر.وعرضت الحكومة الإسرائيلية بعد وفاة حاييم وايزمان على العالم الفيزياوي اليهودي الصهيوني ألبرت أينشتاين أن يكون رئيسها فاعتذر. يومها قال: إنه من الصعب أن أفهم المادة فكيف أستطيع أن أفهم ملايّين البشر؟!. وعندما غادر الرئيس الأميركي أيزنهاور البيت الأبيض قال: ما أجمل هذا اللقب: “الرئيس السابق”. بالمقابل لم ينل هذا “الشرف” رؤساء وملوك. فالملك لويس التاسع عشر حَكَمَ عشرين دقيقة. والرئيس اللبناني بشير الجميّل اغتالوه قبل أن يصل باب قصره!.باستثناء طيّب الذكر، الرئيس السوداني عبد الرحمن سوار الذهب، أو “الرجل الزول” بتعبير أشقائنا السودانيّين. نادراً ما تجد رئيس جمهورية في بلداننا بوظيفة رئيس سابق على قيد الحياة.كان سوار الذهب طبعة أخرى لنظام آخر. انقلب على رفيقه جعفر نميري ولاذ بصمته سريعاً وذهب. منذ ذلك الوقت لم يستأذن رئيس عربي في الانصراف. رحم الله اللواء فؤاد شهاب فقد كانت تجربته في لبنان نموذجاً نادراً لم تدم طويلاً بعدما خذله حلفاؤه قبل أعدائه.ولقد مرَّت أزمنة تمرَّد الجنرالات على الساسة. من أحمد عرابي ضد الخديوي توفيق في مصر إلى الجنرال محمد أوفقير في المغرب. ومن انقلاب بكر صدقي في العراق إلى انقلاب الضابط العراقي جمال جميل في اليمن. كلما جاء رئيس حاولوا اغتياله أو اقتلاعه. كان أغربها انقلاب العميد عارف عبد الرزاق على الرئيس عبد السلام عارف ثمَّ على الرئيس عبد الرحمن عارف. فشل عارف في الانقلابين. وعندما “دارت على أهلها دوائرها” انتهى سجيناً يدافع عن عبد الناصر، ويتسلّى بالوحدة، ويحلم بالاشتراكية.تخيّلْ كيف يمكن لرجل يجمع من المناصب: رئيس جمهورية بالوكالة، ورئيس وزراء، ووزير دفاع، وقائد القوة الجوية أن ينقلب على نفسه. حتى وقع العالم على قفاه من شدة الضحك!.ولا أريد أن أتحدث عن الطريقة الدراماتيكية التي كانت تجري فيها الانقلابات في أرض الشام. رقص الرئيس أمين الحافظ “أبو عبدو” ببسطاله العسكري فتحوّل الرقص الشعبي إلى حفل إعدام ميداني لمتظاهرين في شوارع دمشق. كانت الانقلابات في سوريا تقوم بين يوم وليلة. ربما على أنغام موشحات صباح فخري القادمة من ريف حلب إلى دنيا الطرب. وكان الجنرال حسني الزعيم مثل أيِّ حكواتي يقصُّ لجلسائه في المقاهي الدمشقية أنه سيصبح غداً رئيساً للجمهورية!.لذلك لم يكن غريباً أن يتولى الدكتور مأمون الكزبري الرئاسة السورية لمدة يوم واحد أو يومين على الأرجح. وإذا كان سعيد اسحق “المسيحي” الوحيد الذي حَكَمَ في سوريا رئيساً للجمهورية فمن الطريف أن فترة حكمه لم تستغرق سوى أربع وعشرين ساعة فقط. تماما مثل عبدالله بن المعتز الشاعر الشهير في التراث العربي والخليفة العباسي “خليفة يوم وليلة” كما يقولون. غادر ابن المعتز قصر الخلافة مقتولاً بعد يوم واحد من العرش!.أكتب هذا المقال والحديث يدور هذه الأيام عن عدد المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية بعدما ارتفع إلى 60 مرشحاً والبقية تأتي.. هل هذا منطقي؟. هل هذا معقول؟ تذكرتُ بيتاً من الشعر يقول: (خَلَتِ الرقاعُ من الرخاخ ففرزنَتْ/ فيها البيادقُ واستطالَ الأعبدُ) الشاعر هو سعيد الكرمي.. يريد أن يقول لنا: إن رقعة الشطرنج لم يعد فيها مَلِكٌ سعيد، ولا وزير جديد، ولا حصان طروادة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله!