ذكرى تأميم النفط العراقي في 1972
سناء عبدالقادر مصطفى
تمر علينا في هذه الأيام الذكرى ال 50 لتأميم شركة نفط العراق في الأول من حزيران 1972 ومن ثم أممت الحكومة العراقية بقية شركات النفط الأجنبية العاملة في العراق بعد سنة من ذلك في العام 1973. ان فكرة تأميم النفط العراقي طرحت لأول مرة من قبل أستاذنا المرحوم الدكتور محمد سلمان حسن في كتابة الموسوم «خطوات تأميم النفط العراقي» الذي صدر في بيروت العام 1967. ولقد ذكرت ذلك في مقالة نشرتها في العدد المزدوج من مجلة الثقافة الجديدة، 368-369 في شهر أيلول العام 2014، تحت عنوان: “لنجعل من سيرة حياة الدكتور محمد سلمان حسن خطوة نحو تصحيح مسار الاقتصاد الوطني العراقي “. أقتبس قسم منهأ: ”ومن مؤلفاته المهمة أيضا والتي أثارت نقاشا وجدلا واسعين ليس في أوساط الاقتصاديين فقط ولكن في أوساط السياسيين والمثقفين العراقيين بالدرجة الأولى، ألا وهو كتاب «خطوات تأميم النفط العراقي» الذشي صدر في بيروت العام 1967. طرح فيه فكرة تأميم النفط العراقي بشكل جزئي وعلى خطوات مدروسة متتالية. في البداية تؤمم شركة نفط العراق (IPC) والتي كان مقرها في كركوك، ومن ثم تؤمم بقية شركات النفط الأجنبية العاملة في العراق. وهذا ما أخذت به الحكومة العراقية؛ حينما أممت شركة نفط العراق في الأول من حزيران سنة 1972 ومن بعد ذلك تخلت شركة نفط العراق عن شركة نفط الموصل في 23 شباط 1973. وفي السابع من شهر تشرين الأول 1973 أممت المصالح الأمريكية في شركة نفط البصرة (اكسون موبيل Exxon Mobil Corp.) كرد فعل على حرب اكتوبر 1973. في الحادي والعشرين من تشرين الأول 1973 أممت الحكومة العراقية شركة رويال داتش شيل Royal Dutch Shell الهولندية في شركة نفط البصرة كرد فعل على موقف هولندا المعادي للدول العربية في حرب تشرين الأول اكتوبر 1973. وفي 20 كانون الأول 1973 أقدم العراق على تأميم مصالح شركة بارتكس للنفط والغاز البرتغالية (Partex Oil and Gas) في خطوة مضادة للبرتغال من موقفها تجاه الدول العربية. وكذلك قامت الحكومة العراقية في الثامن من كانون الأول سنة 1975 بتأميم آخر الحصص لشركات IPC , Shell and French Oil Company في شركة نفط البصرة. وبهذا الحدث أكمل العراق تأميم جميع المصالح والشركات الأجنبية العاملة في قطاع صناعة النفط وأصبحت خاضعة الى القطاع العام”. ولي ذكريات طريفة مع هذا الحدث. كنت في ذلك اليوم طالبا في السنة الأخيرة من قسم الاقتصاد في كلية الإدارة والاقتصاد (كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الملغاة) بجامعة بغداد. وكان عندنا في اليوم الثاني من شهر حزيران 1972 الامتحان النهائي لمادة اقتصاديات العراق والوطن العربي لأستاذنا المرحوم الدكتور خير الدين حسيب، وهو آخر امتحان لنا قبل التخرج من الجامعة. في صباح الاول من حزيران 1972 اذيع بيان من الراديو حول تأميم شركة نفط العراق من قبل الحكومة العراقية، وبعد مرور عشرة دقائق رن جرس الباب الخارجي لبيتنا في محلة راس الحواش بالأعظمية عدة مرات ونزلت لأرى زميلي المرحوم شاكر حسون عبد اللطيف الدجيلي يدعوني بسرعة للذهاب مع بقية الزملاء : نعيم عباس خضير وعصام أدهم وعبد المحسن راضي(كانوا يسكنون مع شاكر الدجيلي في بيت قريب من بيتنا في شارع الامام الأعظم أبو حنيفة النعمان) وعبد الكريم حمد القسام الذي كان يسكن في بيت خاله في منطقة المحيط في الكاظمية. استقلينا سياريتين اجرة من موقف قريب من سينما الأعظمية آنذاك الى ساحة التحرير في الباب الشرقي ببغداد الرشيد. كنا نهتف هتافات وطنية تمجد العراق وشعبه. وأصواتنا العالية أثارت انتباه الناس على طول الطريق من راس الحواش بالأعظمية مرورا بالباب المعظم وساحة الميدان وشارع الرشيد الى ساحة التحرير. وقفنا نفتش عن الرفاق من الحزب الشيوعي العراقي ، ولاحظنا بعد مرور برهة من الزمن مظاهرة وزارة التخطيط وهي تتجه صوب ساحة التحرير وفيها بعض الرفاق اللذين نعرفهم مثل جواد زيني – زميلنا الذي تخرج قبلنا بسنة دراسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وكان يعمل وقتذاك في وزارة التخطيط. التحق بنا الزميل صالح ياسر من كلية التجارة الملغاة – كلية الادارة والاقتصاد بجامعة بغداد أيضا وكان معه زميل آخر لا أتذكر اسمه من كلية التجارة الملغاة أيضا. التحق بمظاهرة الحزب الشيوعي العراقي رفاق وأصدقاء الحزب حتى صارت أكبر وأكثر عددا من مظاهرات حزب السلطة والحزب الديمقراطي الكردستاني. ألقى ممثلو أحزاب الجبهة الوطنية والقومية التقدمية كلماتهم وكان الرفيق كريم أحمد الداوود هو الذي ألقى كلمة الحزب الشيوعي العراقي . بعد انتهاء كلمة الرفيق كريم أحمد، صاح الزميل الذي لا أتذكر اسمه : تفرقوا يا رفاق. كان هذا قرار سليم لان المشاركين في مظاهرة السلطة بدأوا بمضايقتنا. رجعت الى البيت في الاعظمية بمفردي لاني لم أعثرعلى بقية الزملاء بسبب الازدحام. ذهبت في عصر ذلك اليوم الى بيت الزملاء نعيم وشاكر وعصام وعبد المحسن وكان عبد الكريم القسام قد وصل للتو من الكاظمية لمراجعة واستذكار مادة اقتصاديات العراق والوطن العربي لأستاذنا المرحوم الدكتور خير الدين حسيب. حدثنا عبد المحسن كيف اغمي عليه بسبب التعب من الهتافات وحرارة الجو التي كانت فوق الاربعين درجة مئوية ، وكيف وجد نفسه في فندق البصرة الكبير الكائن في شارع الرشيد. كانت حناجرنا قد بحت من الهتافات ولا نستطيع الكلام بوضوح. ذهبنا في اليوم التالي الى كلية الادارة والاقتصاد الكائنة في راغبة خاتون لأداء الامتحان النهائي لمادة اقتصاديات العراق والوطن العربي لأستاذنا المرحوم الدكتور خير الدين حسيب، وهو آخر امتحان لنا قبل التخرج من الجامعة كما ذكرت آنفا ونحن فخورين ومزهوين بمشاركتنا في مظاهرة الامس لتأييد قرارات تأميم شركات النفط الأجنبية كونها من أفكار أساتذة كليتنا العتيدة – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وهم الدكتور محمد سلمان حسن وكذلك الدكتور خير الدين حسيب. كان من ضمن أسئلة الامتحان النهائي في المادة: ما هو رأيك في قرارات تأميم شركات النفط الأجنبية العاملة في العراق ؟ جاوبنا على هذا السؤال بكل همة وفرح وبهجة لأننا شعرنا بأن حلم أستاذينا قد بدأ يتحقق وسوف تستثمر عائدات صناعة النفط الوطنية في بناء عراق جديد يعيش فيه الشعب برفاهية. أتذكر أن زميلنا نبيل جعفر السامرائي حينما التقى بنا في ساحة الكلية بابتسامته العريضة وهو المعهود بمزاحه اللطيف وبعد أن شعر وعرف بأننا لا نستطيع الكلام بسبب صوتنا الذي بح من الهتاف قال: يا أهلا بالرفاق الأبطال والأشاوس. ضحكنا من الاعماق ونحن فرحين جدا. مع الأسف فارقونا الزملاء عبد المحسن راضي أحمد وشاكر الدجيلي ونبيل السامرائي وقيس كامل العاني وموفق مهدي النوفل الى العالم الآخر. الذكر الطيب دائما والرحمة في الأعالي والسلام على أرواحهم الطاهرة. طول العمر للأحياء من زميلاتنا وزملاؤنا. توضيح: تم دمج العديد من كليات جامعة بغداد في العام 1968 فعلى سبيل المثال: تم دمج كلية الادارة العامة وكلية التجارة وقسمي الاقتصاد والإحصاء من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وكذلك قسم ادارة الاعمال من جامعة الحكمة الملغاة في كلية الادارة والاقتصاد الذي أصبح أول عميد لها هو الدكتور خليل الشماع الذي كان استاذا في كلية الادارة العامة بجامعة بغداد.