ذكرى الحرب المنسية
فاتح عبدالسلام
افتتح القرن الحادي والعشرون صفحاته بحروب كبرى تركت ارتداداتها سريعا على شكل حروب أصغر في دول كثيرة، ولا تزال الهواجس والانفاس تعلو وتهبط مع مؤشرات هنا وهناك لنشوب حروب جديدة أخرى، فوق حروب العراق وأفغانستان واليمن وسوريا وليبيا ولبنان وأوكرانيا
. وجميعها حروب لم تنكشف اوراقها الحقيقية ودوافعها الكامنة حتى الآن بالرغم من انكشاف الاحداث، وتساقط الأسماء والرموز والعناوين
.لا يكاد هذا القرن يختلف في بداياته عن القرن العشرين الذي وقعت فيه حربان عالميتان، وحروب متناثرة أصغر كانت على ضفاف الحرب الباردة وفي خلالها. لكن حرباً واحدة في القرن الماضي استغرقت زمنا أطول من اية حرب عالمية سبقتها، وقعت بين ايران، التي لم يكد يرسخ بعد نظامها الجديد تحت شعار تصدير الثورة الإسلامية المعلن رسمياً، وبين العراق الذي حمل متبرعاً لواء الدفاع عن البوابة الشرقية للامة العربية التي كانت أصلاً تعيش في واد آخر، إلا ما ندر منها. وهذه الحرب التي تمر الذكرى الثانية والاربعون على اندلاعها في مثل هذا الشهر، لا تزال، برغم سنواتها الثماني التي استغرقتها ومنحتها اكثر من مرة في حينها لقب الحرب المنسية، لغزاً تاريخياً كبيراً، لم تظهر بشأنه شهادات ووثائق كثيرة تسلط الضوء على الأسباب الحقيقية لنشوب تلك الحرب المدمرة التي ما كان العراقيون يصدقون انّ هناك بارقة أمل لانتهائها.هناك شهادات عسكرية ميدانية لقادة عسكريين عراقيين وبعض الإيرانيين عن مسارات المعارك وتحولاتها وانعطافاتها الكبرى بين شهر وآخر وسنة وأخرى مابين ١٩٨٠ و١٩٨٨، غير انّ الوثائق السياسية الدولية لم يتم الكشف عنها حتى الآن، كما انّ الكتب التي تناولت تلك الحرب في العراق وايران معا كانت منحازة سياسيا، وسجلت وجهات نظر أحادية بالرغم من وجود نسبة من الصحة في ذلك.الباحثون الأجانب لم يخرجوا في معاهد السياسة بكتب متخصصة عن تلك الحرب التي كانت اكبر حرب اختتم بها القرن العشرون سنواته الصعبة، ربما لندرة الوثائق التي بإمكانها ان تُحدثَ فرقاً واضحاً في السرديات السياسية المتداولة بشأن تلك الحرب، التي كانت بين بلدين متجاورين، أحدهما أصغر مساحةً ونفوساً بنسبة الثلثين من الآخر . ما نحتاجه أيضا هو انّ كثيراً من عناصر الطبقة السياسية الحاكمة والمتصدرة المشهد السياسي في العراق اليوم كانوا منخرطين بالجهد العسكري القتالي الإيراني في تلك الحرب، ولا غنى عن شهاداتهم اذا كانت منصفة، بالرغم من انها ستكون شهادات من الميدان فقط، وليس من دهاليز اتخاذ القرار السياسي ووثائقه.