ذكرى الانتفاضة العراقية والكاظمي والميليشيات
عماد الدين الجبوري
تحل علينا اليوم الذكرى السنوية الأولى لانتفاضة الشباب العراقي في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 ضد الفساد والبطالة وتردي الأوضاع الخدمية والصحية والتعليمية وغيرها. إلا أن الفصائل الموالية إيران جابهت احتجاجات وتظاهرت الشباب في بغداد وبقية المحافظات الوسطى والجنوبية بقمع وحشي جهنمي، وثقتها غالبية وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، وخلال هذه الفترة وصل مجموع أعداد الضحايا أكثر من ألف قتيل، ونحو ثلاثين ألف جريح ومعوق، علاوة على سلسلة الاختطافات والاعتقالات.وعلى الرغم من استخدام القوة المفرطة بحق المحتجين المدنيين السلميين، وتكرار إحراق خيام المعتصمين من جهة، واختراقات الميليشيات الساحات من جهة أخرى، استطاع الشباب الثبات، والاستمرار من خلال تشكيلات لجان تنسيقية عدة داخل المحافظة الواحدة، والتعاون مع بعضها بعضاً على مستوى المحافظات المنتفضة في كيانات تنسيقية أعلى.كما أن إنجاز هذا العمل التنسيقي العام والحفاظ على حرارته وديمومته ينم عن وجود قوى غير معلنة، إذ لها خبرة وحنكة في إدارة هذه المواجهة وتوفير ما تحتاجه الانتفاضة من ضرورات ميدانية وإعلامية واجتماعية.إن هذه الانتفاضة لشباب العراق أجبرت رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي على الاستقالة، وكذلك أجبرت المرشح محمد توفيق علاوي، ثم المرشح عدنان الزرفي على الانسحاب من هذا المنصب، واختارت الطبقة السياسية مصطفى الكاظمي بديلاً مؤقتاً لمدة سنة يهيأ فيها لانتخابات عامة، في خطوة لامتصاص الغضب والالتفاف على مطالب الشباب الثائر، التي هي مطالب الشعب ذاته.وبما أن الفصائل الولائية تعمل وفق تقديم المصالح الإيرانية على المصالح العراقية، وأن الولايات المتحدة تفرض حصاراً اقتصادياً شديداً على النظام الإيراني، جراء ممارسته الإرهاب ودعم التنظيمات والحركات الإرهابية لزعزعة الاستقرار في المنطقة وفي العالم، لذلك اتجهت تلك الفصائل بتكرار هجماتها الصاروخية سواء على القواعد الأميركية أو على السفارة الأميركية في بغداد، بذريعة رفض الوجود العسكري الأميركي كونها قوات احتلال على أرض العراق. مع أنه لولا هذه القوات وسياسة واشنطن ما تمكن التابعون لإيران من الوصول إلى السلطة، ولا الاستمرار بالحكم إلى هذا اليوم.ومع تصاعد الهجمات الصاروخية للفصائل الولائية التي غالباً ما يذهب ضحيتها مدنيون آمنون، ومنها القصف الصاروخي الذي وقع قبل يومين في الرضوانية قرب مطار بغداد الدولي، وقتل فيه خمسة أشخاص من عائلة واحدة، امرأتان وثلاثة أطفال.وعلى إثر ذلك قال الكاظمي إن “مرتكبي الاعتداءات على أمن البعثات الدبلوماسية يسعون إلى زعزعة استقرار العراق، وتخريب علاقاته الإقليمية والدولية، وهذه الهجمات لا تستهدف البعثات الدولية فقط، إنما طالت الأبرياء من المواطنين، بمن فيهم الأطفال”.من دون شك، فإن إيران تدفع بالمجموعات المسلحة التابعة لها في العراق إلى تأجيج وتأزيم الوضع تجاه إدارة ترمب، وهناك أكثر من سبب مهم، منها إحداث اضطراب مسلح يؤثر سلباً في حملة الانتخابات الرئاسية التي يخوضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، علها تفتح ثغرة في مفاوضات جانبية تروم منها إلى تخفيف قبضة الحصار الاقتصادي الأميركي القوية، وكذلك إثبات أن إيران بمقدورها تقليب الأوضاع من وإلى الاستقرار أو الاضطراب في العراق.وعندما تلوح واشنطن بغلق سفارتها في بغداد، ويطلب سفراء 25 دولة عربية وأجنبية مناقشة التطورات الأخيرة مع مصطفى الكاظمي في ما يتعلق بأمن البعثات الدبلوماسية في العراق، فالأمر خطير ويستوجب إيجاد حل جذري للأخطار الحالية والمستقبلية التي تسببها الميليشيات المرتبطة بإيران. ومشكلة الكاظمي أنه يشغل منصباً تنفيذياً يتيح له اتخاذ قرارات حاسمة وخطيرة، لكنه يواجه خطر الاغتيال بسهولة من طرف إيران.كما أن المشكلة الأخرى، تتعلق بالجانب الأميركي الذي لا يمتلك قوة بشرية في مسك الأرض، والاعتماد على قطعات عسكرية عراقية مسألة صعبة وغير مضمونة، إذ منذ استحداث دائرة الدمج في 2005، خلال رئاسة إبراهيم الجعفري مجلس رئاسة الوزراء، جرى دمج أعداد هائلة وغفيرة من عناصر الميليشيات إلى قوات الجيش والشرطة والأمن. وبما أن القوات الأميركية تخلت سابقاً عن قوات مجالس الصحوات، وبذلك خسرت قوة مناطقية مسلحة توازي الفصائل الولائية، إذا ستستمر القيادة الأميركية بتوجيه ضرباتها الجوية والصاروخية، التي تفتك وتدمر مواقع تلك الفصائل، لكنها لا تحسم النصر الميداني.ومع ذلك، باستطاعة إدارة ترمب أن تقف بجانب انتفاضة الشباب الثائر، وتساعدهم في تحقيق مطالبهم الشرعية والمشروعة، منها محاسبة الفاسدين وقتلة المتظاهرين السلميين، وبذلك توجه ضربة مميتة إلى جميع أتباع إيران في العراق.في الشهور المتبقية للكاظمي، وما تطلبه منه واشنطن وغالبية البعثات الدبلوماسية في العراق، ليس من المستحيل تنفيذه، لكن القضاء على المجموعات المسلحة الموالية إيران فوق طاقته. وكذلك هناك صعوبة واضحة في فرض سيطرة الدولة كلياً على مطار بغداد الدولي، إذ إن إيران متغلغلة ومتشعبة في نواح كثيرة وعديدة في أجهزة ومؤسسات الدولة، والجانب الأميركي يدرك ذلك جيداً، لهذا تصر إدارة ترمب على تغيير الوضع الميداني في العراق وفق المسار الجاري في حصار إيران.