دوامة من الجهل والبطالة والزواج المبكر.. نساء سنجار لايزلن يدفعن الثمن
سلط تقرير الضوء على مساهمة النزوح في فرض حياة أكثر قسوة على نساء منطقة سنجار، مشيرا الى أنه فاقم المشاكل الاجتماعية لديهم ورفع معدلات الزواج المبكر والطلاق والانتحار فضلا عن الانقطاع عن التعليم الذي وضع النازحات في دوامة الجهل والبطالة.
وذكر التقرير الذي اعدته الدكتورة روشدا فندي طاهر ضمن مشروع لمنظمة أنترنيوز، وتابعته (الاولى نيوز)”، (13 نيسان 2021)، أن “منظمات مجتمع مدني عملت في المخيمات تؤكد زيادة حالات الطلاق في المجتمع الإيزيدي نتيجة الفقر من جهة، والزواج المبكر من جهة أخرى في ظل غياب التفاهم بين الزوجين نظراً لصغر سنهما وعدم امتلاكهما الوعي والخبرة اللازمة في الحياة لمواجهة المشاكل، وتنبه إلى إن هذه المشكلة قد تتعقد في ظل تزايد حالات ترك الفتيات للتعليم ما يؤدي إلى تراجع في الوعي الثقافي لديها”.
ويشير الى “تداعيات عمليات القتل والخطف لم تنتهي حتى بعد مرور سنوات، فما زالت النساء والفتيات يعانين من صدمات نفسية نتيجة للعنف الجسدي والجنسي وعمليات الاسترقاق والبيع كسبايا والتزويج القسري، كما يعانين من فقدانهن للعديد من أفراد عوائلهن”.
أدناه نص التقرير الكامل:
في وقت متقدم من الصباح، كانت تمشي بخطوات بطيئة مثقلة، تحتضن بإحدى يديها طفلة صغيرة، وبالأخرى تحمل كيساً يضم ثياباً شتوية وأعمالاً يدوية، متجهةً الى سوق مخيم شاريا لتعرض ما تحملهُ من بضاعة صنعتها بيديها، على أمل أن تجد مشترين وأن تعود في المساء ببعض المال الذي تساعد به عائلتها الفقيرة.
“سناء” التي تبلغ الثامنة عشرة من عمرها، اعتادت كغيرها من النازحات الإيزيديات وأُخريات مسلمات من سنجار، على التوجه لأسواق المخيمات وعرض ما تنتجهُ من مشغولات يدوية، ومعها طفلتها الصغيرة البالغة من العمر ثلاث سنوات.
هي تعمل لساعات طويلة في خيمة عائلتها الصغيرة على إعداد بضاعتها منذ أن أُجبرت على ترك الدراسة ومن ثم الزواج قبل ثلاث سنوات لتخفف العبء عن أمها وشقيقها الذي لم يبلغ العاشرة من عمره، بعد اختطاف والدها وشقيقها الأكبر من قبل تنظيم داعش الإجرامي، خلال هجومهِ على سنجار مطلع آب 2014 والذين ما زالا مجهولي المصير.
وكان التنظيم هاجم المناطق التي ينتشر فيها الإيزيديين في قضاء سنجار وارتكب فيها عمليات إعدام جماعية وعنف جسدي وجنسي، واختطف نحو ستة آلاف إيزيدي وإيزيدية، قَتَلَ في الأيام الأولى معظم الرجال، فيما احتفظ بالنساء والفتيات كسبايا، وجند الأطفال كمقاتلين.
خلال الهجوم تمكن نحو 300 ألف إيزيدي من الفرار إلى جبل سنجار والنزوح لاحقاً الى إقليم كردستان، ليستقروا في عشرات المخيمات التي أقيمت لإيوائهم بشكلٍ مؤقت، لكنهم لا زالوا يعيشون فيها بعد مرور سبع سنوات.
تقول سناء التي ارتسمت خطوط التعب والألم على وجهها الصغير، وهي تقف الى جوار بضاعتها: “لم أكن أعرف شيئاً عن الزواج لكني لم أتحمل رؤية دموع أمي كل صباح.. كنا تحت رحمة مساعدات جيراننا وأقاربنا والمنظمات الإنسانية، أحياناً لم يكن لدينا شيء لنأكلهُ لذا اضطررتُ للزواج من شاب يكبرني بأربع سنوات”.
تواصل حديثها: ” كنت أرغب بالذهاب إلى المدرسة في المخيم مثل باقي الفتيات وتكملة تعليمي، حيث كنت في السادس الابتدائي في سنجار قبل قدوم تنظيم داعش الإجرامي، لكن لم يتحقق ما أردتهُ لعدم وجود أحد يعيلنا.. وها أنا أعمل الآن وتساعدني أمي أيضاً في نسج هذه الثياب، والتي تسكن بالقرب منا في منزلها، (تبتسم مستدركة) أقصد خيمتها الصغيرة القريبة من خيمتنا أنا وزوجي”.
تضيف: “بعض المال الذي أجنيهِ أعطيهِ لأمي، لأن أمي مريضة ولا تستطيع العمل وأخي صغير ولا يكفيهما المال الذي يجنيهِ من بيع السكائر”.
يعمل زوج سناء في بيع لعب الأطفال، حيث يملك “بسطة” صغيرة أيضاً، لكن ما يجنيهِ قليل أيضا فمعظم سكان المخيم فقراء ولا يملكون ثمن شراء الألعاب لأطفالهم.
الظروف المأساوية دفعتهم لترك الدراسة
بحسب نشطاء مدنيين من سنجار، فإن آلاف الفتيات مثل سناء، دفعت ظروف المعيشية الصعبة عوائلهن إلى ترك الدراسة والزواج في سنٍ مبكرة، واضطرت كثيرات منهن الى الانخراط لاحقاً في أية أعمال متوفرة تمكنهن من جني بعض المال.
يقول دلير أحمد إن “ترك الدراسة والزواج المبكر في المجتمع الايزيدي كان موجوداً لكنهُ تضاعف بعد النزوح نتيجة الفقر والخوف من المستقبل بعد ما ارتكبهُ تنظيم داعش الاجرامي من انتهاكات بحق الفتيات من سبي واغتصاب وتعذيب”.
مشاكل الإيزيديين لا تتوقف عند ترك الدراسة نتيجة الفقر عقب النزوح أو الخطف والتعذيب على يد تنظيم داعش الاجرامي، ولا تنتهي مآسيهن بعد تحريرهن من داعش، فبعض النساء حملن أطفالاً في أرحامهن من مقاتلي التنظيم وكان عليهن التخلص من الجنين بعمليات إجهاض جرت بشكل سري.
ويشير دلير إلى التأثير الكبير لتلك القصص : “معظم الفتيات والنساء واجهن صعوبات بعد صدمة فقدهن لعوائلهن، ذلك أثر على المجتمع الإيزيدي ككل ودفعه الى الزواج المبكر الذي تصاعدت معدلاته”. ويتابع: ” قصة المأساة المرتبطة بداعش حاضرة في كل عائلة نازحة ولها تداعيات كبيرة”.
زواج مبكر وطلاق سريع
“فاتن” إيزيدية أخرى تزوجت في سن مبكرة بعمر (17عاماً) بمخيم شاريا بعد وفاة والدها وتركها للدراسة. كانت تعيش مع شقيقيها عند عمهم الذي لم يكن يهتم بهم رغم وضعهِ المالي الجيد، فما كان أمام فاتن أي خيار غير الزواج من شاب يكبرها بثلاثة عشرة عاماً للتخلص من شعورها بكونها “عالة” على عائلة عمها.
لكن قصة فاتن لم تنتهي، فقد وجدت نفسها سريعاً تحت ظلم زوجها الذي لم يسمح لها بالخروج من البيت، وبعد أن أصبحت حاملاً لم يسمح لها بالذهاب إلى أي طبيب رغم معاناتها مع الحمل.
قبل الولادة بساعات وضعهم الطبيب أمام خيارين إما إنقاذ حياة فاتن أو إنقاذ الطفل الذي كان ذكراً، فاختار زوجها الطفل ولم يهمهُ موت زوجتهِ، كما تقول فاتن “لم أمت فقد أنقذنا الطبيب معاً، لكني بعد الولادة لم أتحمل حياتي معهُ وصرتُ أكرههُ فطلبتُ الطلاق، وبالتالي أصبح طفلي يتيماً”.
تؤكد منظمات مجتمع مدني عملت في المخيمات، زيادة حالات الطلاق في المجتمع الإيزيدي نتيجة الفقر من جهة، والزواج المبكر من جهة أخرى في ظل غياب التفاهم بين الزوجين نظراً لصغر سنهما وعدم امتلاكهما الوعي والخبرة اللازمة في الحياة لمواجهة المشاكل، وتنبه إلى إن هذه المشكلة قد تتعقد في ظل تزايد حالات ترك الفتيات للتعليم ما يؤدي إلى تراجع في الوعي الثقافي لديها.
تقول الباحثة النفسية ريحان سعيد إن “الزواج المبكر يترك وراءهُ آثار سلبية سيئة، فالفتاة تضطر لترك المدرسة وخسارة فرصة اكتساب المعرفة والمهارات لمواجهة معارك الحياة، كما هي تبتعد حينها عن الأصدقاء وأنظمة الدعم، وهي تعاني من التوتر والضغط نتيجة فقدانها لمرحلتي الطفولة والمراهقة بسبب مسؤوليات الزواج المبكر إلى جانب ما يحملهُ من مخاطر صحية وخطر الإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً”.
تتابع: “هناك علاقة وثيقة بين زواج القاصرات والمشكلات الصحية التي تنتهي بعضها بالموت بسبب الحمل، فالقاصرات غير مؤهلات جسدياً ونفسياً لأداء دور الزوجة والأم، وهذا أحد أسباب ارتفاع معدلات وفيات الأطفال والتشوهات الخلقية للأطفال الذين يولدون من رحم فتاة قاصر”.
وتنبه سعيد الى إن “وعي الشاب والفتاة بمتطلبات الزواج والحياة أمر مهم جداً، فغيابه يعني احتمالية انهيار الزواج بعد فترة قصيرة”.
وترى الباحثة إن الفقر وقلة الوعي الناتج أصلاً عن ضعف التعليم، واللذين يدفعان معاً للزواج المبكر “يولدان لاحقاً مشاكل أخرى مثل التفكك الأسري والأمراض النفسية كالاكتئاب الذي يتولد من تقييد حرية الفتاة في بيت زوجها وبقائها لوقت طويل وحيدة في المنزل، ويدفع بعض النساء الى الإنتحار “.
جذور المشكلة والصدمات
وفقاً لدائرة الأوقاف الآيزيدية فإن نحو 6386 إيزيدياً (3537 امرأة و2859 رجلاً) تم خطفهم من قبل مقاتلي تنظيم داعش في الأيام الأولى لهجوم التنظيم في آب 2014، وخلال السنوات التالية تم تحرير 2800 امرأة وطفل من قبضة داعش وجماعات إرهابية أخرى في العراق وسوريا.
يقول ناشطون، إن تحرير بقية المختطفات يتطلب جهود دولية، كما إن اللواتي تم تحريرهن بحاجة إلى دعم نفسي ومالي لتمكينهن من إعادة بناء حياتهن، فيما تحتاج العوائل التي فقدت معيليها إلى دعم مالي مستمر “في وقت يتجاهل العالم محنتهم” كما يقول الناشط والصحفي حسن علي.
تداعيات عمليات القتل والخطف لم تنتهي حتى بعد مرور سنوات، فما زالت النساء والفتيات يعانين من صدمات نفسية نتيجة للعنف الجسدي والجنسي وعمليات الاسترقاق والبيع كسبايا والتزويج القسري، كما يعانين من فقدانهن للعديد من أفراد عوائلهن.
يقول علي إن “وقوع مئات الفتيات ضحية للاغتصاب بعد خطفهن وإجبار الكثيرات على الزواج من مقاتلي التنظيم، ولد أمراضاً جسدية ونفسية بقيت آثارها بعد سنوات من تحريرهن، وأثرت على حياتهن في ظل بيئة اجتماعية مغلقة” .
يضيف :”معاناة الخطف ومن ثم مشاكل حياة النزوح وما تفرضهُ من عوز وقيود، دفعت الكثير من العوائل وكردة فعل إلى اللجوء للزواج المبكر لحماية بناتهم كما يعتقدون، وهو ما أدى لاحقاً الى بروز ظواهر الطلاق والتفكك وحتى الإنتحار”.
ويشير علي، إلى عدم وجود أرقام معلنة عن نسب حالات الطلاق والزواج، لكن تقديرات نشطاء تظهر إن نسبة زواج القاصرات في بعض المخيمات تقارب الخمسين بالمئة، في حين تصل نسبة الطلاق الى نحو 25%.
خطة مواجهة متكاملة
يرى خضر دوملي، وهو باحث في قضايا حقوق الأقليات والنزاعات وبناء السلام، إن ترك الدراسة والزواج المبكر يبرز بشكل كبير في مخيمات النزوح في العراق وسوريا نتيجة الفقر وعدم توفر موارد المعيشة وفرص العمل والخوف من المستقبل.
يقول: “العائلة تجد صعوبة في العيش في خيمة واحدة، وفي بيئة المخيم الصغيرة، كما إن الفتيات في سن المراهقة يكونون عرضة للارتدادات، وفي ظل قرب الخيم وتداخل العوائل من بعضها البعض وكثرة الاحتكاكات ووجود حالات التحرش، تعتقد العائلات وبحكم الأعراف الاجتماعية ان تزويج الفتاة سيحميها من الانحراف ومن التحرش أو البقاء عانسة”.
ويضيف: “ضعف الاهتمام بالتعليم وترك الدراسة في سن مبكرة، وعدم وجود برامج التوعية الثقافية بآثارالزواج المبكر، والبرامج تستهدف النساء والفتيات حصراً ولا توجد برامج تستهدف الشباب والفتيان”.
ويشدد دوملي على أهمية “وضع خطة عملية كاملة لمواجهة الزواج المبكر وما ينتج عنه، سواء من آثار نفسية، وزيادة في حالات الطلاق وعوارض صحية وتفكك عائلي، وحتى ما يرتبط بعزوف شرائح من الشباب والفتيات عن الزواج بسب حالات الفشل الكثيرة، فهذه الأمور تنتشر في معظم المخيمات بالمنطقة وإن اختلفت من منطقة الى أخرى نتيجة المستوى الثقافي والاجتماعي وطبيعة العادات والتقاليد”.
ويرجع عادل سعدو، وهو مدرس بمدرسة شاريا الأولى المختلطة، أبرز حالات الزواج المبكر التي تنتهي بعضها بالطلاق، إلى عدم إيلاء “تعليم الفتيات” الأهمية المطلوبة، مبيناً أن “الإفتقار في الخدمات التعليمية في معظم المخيمات أدى إلى حرمان الفتاة من التعليم وبالتالي التوجه نحو الزواج المبكر”.
وينبه سعدو الى التأثير السلبي لسوء استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي “ذلك أدى إلى بروز مشاكل وقضايا انتهت بالزواج المبكر”.
كما يربط بين الفقر وتردي الوضع المادي لمعظم النازحين والظواهر السلبية في المخيمات بما فيها الزواج المبكر والطلاق والانتحار “العائلة المكونة من عشرة أفراد أو اقل جميعهم بدون عمل تتخلص من ابنتهم القاصرة بتزويجها في سن مبكر، إلى جانب حاجة بعض أسر الفتيات إلى المهر المقدم من قبل العريس”.
العادات والتقاليد
في البيئات المغلقة خاصة التي تعاني من اضطرابات تدفع العادات والتقاليد الى سجن الفتيات في قفص الزواج المبكر “خوفاً على شرف الفتاة أو فقدان عذريتها قبل الزواج” وتظهر حالات التبادل حين لا تملك بعض الأسر القدرة على دفع مبالغ المهور لأولادهم فيقحمون طفلتهم في الزواج.
“نور” التي لم تكمل عامها الثاني عشر تزوجت من شاب لم يتجاوز عمره ستة عشرة عاماً. وجدت نفسها مجبرة بسبب العادات والتقاليد على الزواج قبل النزوح إلى مخيم شاريا فقد اقحمت في “صفقة زواج” شقيقها “سامر” (20 عاما) وأجبرت أن تكون بديلة لزوجة أخيها.
لكن الزواج لم يدم طويلاً وحدث ضرب وعنف من كلا الطرفين أدى الى مشاكل بين العائلتين انتهت بالطلاق من كلا الطرفين، لتصبح نور مطلقة وهي لم تبلغ بعد الخامسة عشرة من عمرها.
رغم ذلك يرى حسام قجو (66 عاماً) ان مسألة الزواج المبكر “مترسخة بالمجتمع الايزيدي منذ قرون”، مشيراً إلى إن”معظم حالات الزواج التي تحدث لا تسجل في الدوائر الحكومية بل لدى رجال الدين والشيوخ حيثُ إن معاملات الزواج المبكر محظورة حسب القوانين النافذة في الإقليم”.
فتيات بلا تعليم
بحسب تقارير لمنظمات دولية ومحلية، يعيش الكثير من الأطفال الإيزيديين في “حالة صدمة” جراء أعمال العنف التي شهدوها، كما إن آلاف الاطفال محرومون من التعليم ويعمل عدد كبير منهم للمساهمة في توفير دخل للأسرة، في حين إن هناك أسر كاملة تعيلها نساء وأطفال.
يساعد “وليد” الذي لم يبلغ بعد العاشرة من عمره جاره الذي يملك دكاناً صغيراً لبيع المواد الغذائية. يقول “بعد اختطاف والدي وشقيقي الأكبر من قبل داعش، لم أستطع إكمال دراستي لذا اضطررتُ للعمل هنا”.
الفقر في ظل غياب معيل، وافتقاد بعض الأطفال للوثائق الشخصية الثبوتية، وقضاء آخرين لسنوات في الاعتقال لدى داعش، حرمهم من مواكبة التعليم فقد أصبحوا في سن كبيرة لا تسمح بقبولهم ضمن منظومة التعليم الرسمي، وهو ما يقود إلى “بروز جيل من الأطفال المهمشين في المجتمع” كما يقول المعلم المتقاعد علي حجي.
ويضيف حجي “لا توجد أرقام بعدد الذين يتركون الدراسة، لكني أجزم أن في كل عائلة إيزيدية هناك أطفال تركوا الدراسة في سن مبكرة لأسباب مختلفة، وطبعاً نسبة الفتيات اللواتي يتركن الدراسة خاصة في المرحلة المتوسطة أكبر من الأولاد”.
وينبه إلى أن انقطاع الفتيات عن التعليم “يعني ضعف إمكاناتهن المهنية وبالتالي تضاؤل فرصهن في الحصول على العمل، وهذا يؤثر على شخصيتهم وعلى مستقبلهن”.
ويخلص حجي إلى القول :”حتى عندما تكون هناك رغبة لدى العائلات في استمرار أبنائهم بالدراسة، فإنه قد لا يكون ذلك متاحاً على النحو المطلوب، وغالباً ما يكون عدد المعلمين والفصول الدراسية غير كافٍ، وهو ما يدفع أحياناً بعض المتقاعدين الى تولي عملية التدريس كمتطوعين”.
بديل للحياة الطبيعية
بحسب إحصائيات هيئة الإغاثة والشؤون الإنسانية في محافظة دهوك لعام 2014 إلى 2019 فإن عدد الإيزيديين النازحين يبلغ 90% من العدد الكلي للنازحين في المحافظة الساكنين في المخيمات، وهم يشكلون 44% من عدد النازحين خارج المخيمات. ويبلغ العدد الكلي للنازحين الإيزيديين نحو 400 ألف موزعين على ما يقارب 14 مخيماً فضلاً عن السكن في البيوت المهجورة والهياكل التي تفتقر لأبسط مقومات العيش.
تقول النازحة ليلى عن معاناتهم في المخيم “هناك نقص كبير في الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه صالحة للشرب، إلى جانب ضعف خدمات الصرف الصحي والتعليم والصحة”.
وتلفت إلى “عدم وجود مساحة كافية متروكة بين خيمة وأخرى، إضافة إلى عدم وجود إطفائية في حالة نشوب حريق، كما لا توجد أسواق تجارية مرتبة، حتى إن بعض المواد تكون منتهية الصلاحية أو قريبة من انتهاء صلاحيتها ويتم بيعها بأسعار رخيصة والناس يشترونها”.
كما تنبه ليلى الى افتقاد المخيمات للبيئة الصحية المناسبة “المخيمات أشبه بالصحراء لا وجود لأي نوع من الأشجار والحدائق، ولا مواقع للترفيه بالنسبة للشباب الذين يتكدسون في خيم بعضهم، أو في أماكن تدخين النركيلة”، مبينة أن بعض أماكن الإيواء في مخيمات النازحين بحاجة ماسة إلى تحسين مرافقها وتبديل خيمها.
البطالة تطارد الجميع
فقد الإيزيديون معظم ممتلكاتهم وأموالهم المنقولة، وتضررت نسبة كبيرة من أملاكهم غير المنقولة كالعقارات السكنية والمزارع مما جعلهم في حالة فقر شديدة، ويعتمد بعضهم بشكل كلي على المساعدات الإنسانية للعيش.
يقول سمير: ” لا أملك أي شيء الآن بعدما كنت أملك أنا وعائلتي دكاكين ومحلات وسيارات ومنازل مزودة بجميع مقومات العيش، حتى مستمسكاتنا وأموالنا لم نستطع جلبها معنا. هربنا فارغي الأيدي”.
يفتقر النازحون في معظم المخيمات إلى السكن المناسب والرعاية الصحية والتعليم وفرص العمل، وتختلف نوعية تلك الخدمات والفرص من مخيم الى آخر وفق المنظمات أو الجهات التي تديرها، لكنها تظل متدنية ومعها يضطر بعض النازحين إلى بيع ما يحصلون عليه من مواد غذائية ومساعدات في الأسواق المحلية للحصول على المال، وهذا الأمر أصبح أكثر وضوحا في العام الماضي مع ظهور فايروس كورونا الذي أدى إلى افتقاد فرص العمل.
افتقار النازحين لفرص العمل، يعني اضطرار الكثير من العائلات للتخلي عن فكرة مواصلة بناتهم التعليم، وينعكس ذلك لاحقاً على فرص وإمكانيات انخراطهم مستقبلا في سوق العمل.
وتقدر جهات محلية إن بين كل عشرة شبان وفتيات في المخيمات، لا تحصل إلا اثنتان على فرص عمل غير دائمة.
يقول الباحث خضر دوملي، عن تفشي البطالة إن من الطبيعي أن ” تترك النزاعات مشاكل كثيرة نتيجة انهيار البنية التحتية وقطاعات التعليم والعمل بسبب ضعف المنظومة الإدارية وفي ظل عدم وجود مشاريع استثمارية تستوعب العاملين”.
ويضيف “كما إنّ آلية التعليم الموجودة الآن لا تشجع الشباب والفتيات على التوجه إلى الحرف المهنية ومتطلبات سوق العمل، مع صعوبة الحصول على الوظائف الرسمية”.
ويرجع دوملي سبب ذلك الى “سوء التخطيط في المنظومة الإدارية للبلد، فهناك بنية تحتية واسعة لإقامة الكثير من المشاريع الكبيرة التي يمكن أن تستوعب آلاف الشباب .. هناك آلاف المعامل قد أغلقت وأهملت وبيعت مكائنها وبدلاً عنها يتم استيراد المعدات والمواد الجاهزة”.
ويقترح جملة حلول للحد من تفشي البطالة، تبدأ من إطلاق خطة وطنية شاملة لإعادة هيكلة المنظومة الإدارية في التعليم العالي وتطوير التعليم المهني ومن ثم فتح مشاريع الإستثمار الكبيرة في مجالات الزراعة والصناعة والسياحة، وتشجيع المشاريع الصغيرة ومنح القروض وتنظيمها لتشجيع القطاع الخاص على إنشاء المشاريع”.
وينبه دوملي الى إن بقاء مشكلة البطالة دون حل وعدم مواجهة باقي الظوهر السلبية تدفع الكثير من الشباب والفتيات إلى التفكير في الانتحار، منبهاً الى أن النساء هن الضحية الأولى للإنقطاع عن التعليم وبالتالي افتقاد فرص الحصول على عمل لتحسين واقعهن.
الإنتحار ظاهرة أخرى
وقد زادت حالات الإنتحار بين الإيزيديين في المخيمات، ووصلت عدد الحالات المسجلة الى عشرة خلال الشهرين الأولين من العام 2020، فيما تؤكد منظمات إيزيدية حصول مئات من حالات الإنتحار خلال السنوات الماضية جلها بين الشباب والفتيات في مقتبل العمر.
بعض تلك الحالات تعود إلى الفقر، لكن حالات أخرى ترتبط بشعور الشباب والفتيات باليأس داخل المخيمات والعجز عن تحقيق ذواتهن، فيما تتعلق في بعض الحالات بالإعتداءات الجنسية المسكوت عنها وقضايا الإبتزاز الإلكتروني.
يقول الناشط حسن علي، الذي تابع بعض تلك القضايا: “هناك حالات ابتزاز الكتروني، وسوء استخدام لأجهزة التواصل الاجتماعي، يحدث ذلك نتيجة لاضطراب القيم الاجتماعية وتدني المستوى الثقافي لدى بعض الشباب الصغار في السن ومع عدم إدراكهم لعواقب سلوكهم والعجز عن مواجهة المشكلة بشجاعة ينتهي الأمر بالإنتحار”.
يرى الباحث خضر دوملي إن كل تلك المشاكل، التي غالباً ما تكون النساء ضحاياها، هي ناتجة عن ” استمرار النزاعات لفترة طويلة وعدم وجود إدارة سليمة لمرحلة ما بعد النزاع، فعدم الأخذ بنظر الإعتبار هذه المشاكل وعدم ربطها بمشاريع التنمية المجتمعية التي ماتزال فقيرة جداً بما فيها التعليم الجيد، يفاقم المشاكل”.
ويؤكد إن “البلد بحاجة إلى مثل هذه المشاريع كما هو في حاجة إلى برامج تخريج الأطباء والمهندسين والمدرسين”، منبهاً إلى أن ” الناس في المخيمات التي تفتقد الى الكثير من أسس الحياة الطبيعية يرون التطور الحاصل في البلدان الأخرى ويقارنون أوضاعهم بها فيتمكن الإحباط واليأس منهم”.
رغم كل الصعوبات التي تواجهها “سناء” وحلقات المشاكل التي تحيطها داخل المخيم، إلا أنها ترفض الاستسلام وتقوم بكل ما تستطيع لتحسين وضع عائلتها، تقول :”منذ 2014 حياتنا أصبحت صعبة جداً، لا أتذكر إلا القليل من محطات الفرح فيها مقابل سيرة الحزن والآلام الطويلة، لكني لن أخضع لليأس، سأعمل لتغيير حياة عائلتي وحياة ابنتي، أريدها أن تتعلم وتحصل على حياة أفضل، ذلك هو هدفي في الحياة”.
تنويه: بعض الأسماء الواردة في التقرير مستعارة نزولاً عند طلب أصحابها
كتبتهذهالقصةضمنمشروعلمنظمةأنترنيوزلتدريبالصحفيينحولكتابةوإنتاجالقصصالصحفيةعنالقضاياالحساسةالمتعلقةبالنوعالاجتماعي (الجندر) فيالعراق.