دستور المغرب الجديد.. 9 سنوات على ترسيخ الديمقراطية والحريات
في 2011 أقرت المملكة المغربية دستوراً جديداً، جاء بمثاية ثورة لترسيخ الديمقراطية والحريات، حيث تضمن مقتضيات وإصلاحات يصفحها أكاديميون وحقوقيون بالتاريخية.
الدستور المغربي الجديد، فتح صفحة جديدة من تاريخ الإصلاحات السياسية في البلاد بقيادة العاهل المغربي الملك محمد السادس.
ونظمت المملكة المغربية في يوليو 2011، استفتاء عاماً على الدستور، شارك فيه أكثر من 13 مليون مغربي، صوت 98.50% منهم بالموافقة عليه، فيما لم تتجاوز نسبة المصوتين بـ”لا” نسبة 1.5%، في حين بلغت الأصوات الباطلة 0.83%.
الشعب أراد والملك استجاب
“الشعب يريد إسقاط الفساد”.. شعار حمله مئات الآلاف من المتظاهرين بشوارع المملكة المغربية، في فبراير / شباط 2011، مُطالبين بإصلاحات سياسية واقتصادية جذرية، فكانت الاستجابة سريعة من عاهل البلاد، الملك محمد السادس، بخطاب تاريخي يوم 9 مارس / آذار من نفس العام.
وكانت 14 دقيقة وهي مدة الخطاب الملكي، كفيلة بإحداث ثورة شكلت منعطفاً تاريخياً في البلاد، كانت بدايته بإعلان العاهل المغربي الشروع في إعداد دستور جديد للمغرب، بمقاربة تشاركية تُساهم فيها كُل القوى في المملكة بمختلف توجهاتها السياسية والأيديولوجية.
جاء خطاب الملك محمد السادس في 9 مارس/آذار، بإجابات شافية لجميع مطالب الشباب المغربي، كما أحبطت بشكل رسمي جميع المخططات التي كانت تروم لإغراق البلاد في دوامة الفوضى.
وفي هذا الصدد، يقول المحلل السياسي والباحث الأكاديمي المغربي محمد بودن، إن المغرب في عام 2011 صنع نموذجاً وصفه ب”الاستثاء المغربي، وسط محيط إقليمي مضطرب جداً”.
وشدد بودن في حديث اطلعت عليه (الاولى نيوز) على أن الإرادة الملكية كانت حاسمة في إعداد دستور 2011 من خلال خطاب 9 مارس، شكل لحظة فاصلة، موضحاً أن الخطاب جاء بإشارات تحمل الكثير من العقلانية والذكاء.
وتابع: “ما يميز دستور 2011 أن إعداده قد تم بمقاربة تشاركية بمساهمة جميع الفاعلين المؤسساتيين والحزبيين والنقابيين والجمعويين والشبابيين والنسائيين، باختلاف توجهاتهم”.
تحول جوهري
وأكد المحلل السياسي المغربي، أن دستور سنة 2011 شكل تحولاً جوهرياً في مسلسل الاصلاحات الدستورية، بدءاً من دستور 1962، أول دستور للمملكة بعد الاستقلال، مروراً بدساتير 1970 و 1972 و1992، لنصل إلى آخر دستور هو سنة 1996، موضحاً أن كُل هذه الدساتير، يُمكننا وصفها بـ”المراجعات الدستورية”.
وقال إن دستور 2011 مختلفاً تماما، إذ أنه جاء بـ 180 فصلاً حملت في مجملها جديداً على مستوى المتن الدستوري، كما أن لحظة بنائه كانت تاريخية، حيث اجتمعت فيها كافة القوى.
وتميز الدستور المغربي الجديد بتكريس مبدأ الفصل بين السلطات، وتعزيز التعاون ما بينها بشكل متوازن، ناهيك عن تأكيد استقلال القضاء، ليصير سلطة مستقلة إلى جانب السلط الدستورية المعروفة.
ولفت بودن إلى أنه في ظل دستور 2011 تم توسيع صلاحيات البرلمان بغرفتيه، بالإضافة إلى فرض تعيين رئيس الحكومة من الحزب الأول في الانتخابات البرلمانية، مع الارتقاء المكانة الدستورية لرئيس الحكومة، وتوسيع صلاحياته الدستورية.
وتابع: “بإمكاننا الحديث عن دستور 2011 بكونه ترسانة دستورية تضم مجموعة من المواد المهمة، فهناك مواد الحقوق والحريات، الذي تحدث عنه المشرع في نحو 60 مادة تتعلق بالحقوق والحريات، وهذا ميثاق حقيقي للحقوق والحريات، ثم هناك مواد الفصل بين السلطات، وتبيان تخصصاتها ومساحة اشتغالها بالإضافة إلى العلاقة بينها، ناهيك عن الجهوية الموسعة، وباقي المحاور الأخرى التي عالجها الدستور الجديد”.
ترسيخ للخيار الديمقراطي
وأكد رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ابن طفيل بالمغرب، أن دستور 2011 أرسى مجموعة من الركائز لترسيخ الخيار الديمقراطي في البلاد، ومبدأ فصل السلطات. موضحاً أن المصادقة عليه شكلت قفزة كبيرة في التاريخ السياسي للبلاد.
وأوضح لزرق لـ”العين الإخبارية”، أن الدستور المغربي رسخ الخيار الديمقراطي باعتباره أحد ثوابت المملكة المغربية، بالإضافة إلى إرساء مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وأعطى جديدة للدينامية السياسية والمجتمعية في البلاد”.
وأضاف أن “الدستور الجديد جاء بمجموعة من المقتضيات التي تعتبر بمثابة إصلاح شامل للمنظومة القانونية والتنظيمية في البلاد، وذلك من خلال فرضه تحديث مجموعة من القوانين لعدم ملائمتها التصور الدستوري الجديد في البلاد”.
ولفت إلى أن الوثيقة الدستورية المغربية تعطي دفعة قوية لإصلاح سياسي شامل، خاصة على مستوى إعادة تنظيم طريقة عمل الإدارة العامة وتحديث سياسات المملكة، على اعتبار أن “هذه الخطوات تعتبر مساراً لا غنى عنه في اتجاه محاربة الفساد، بالإضافة إلى الرفع من فعالية الإدارة، وأيضاً تنزيل مبدأ اللامركزية”.
في ملعب النخب
ويشدد الأكاديميان، رشيد لزرق، ومحمد بودن، على أن الكرة الآن في ملعب السياسيين، سواء الأحزاب التي تشكل الأغلبية الحكومية المغربية، أو تلك التي تُمثل المعارضة.
إذ أن تفعيل الدستور على أرض الواقع، يكون بإرادة سياسية تعطي أولوية كبيرة للمصلحة العليا للبلاد، بعيداً عن المصالح الحزبية والإديولوجية الضيقة.
وفي هذا الصدد، شدد لزرق على أنه من حيث المحتوى، فالدستور المغربي وضع أسساً قوية لبناء دولة الحق والقانون والكرامة المجتمعية، وبالتالي ظلت الكرة خلال كُل هذه السنوات، ولازالت، في ملعب السياسيين وأحزابهم، خاصة التي تلك تقود الحكومة.
وأضاف أن المؤسسة الملكية المغربية، قد عبرت في أكثر من مناسبة، وبصيغ مختلفة، عن توفر الرغبة السياسية لديها من أجل الانتقال بالمملكة المغربية إلى مستوى متقدم سواء من خلال تعزيز الحقوق والحريات، أو عبر إحقاق التنمية المستدامة.
من جهته، تساءل محمد بودن عن مدى ارتقاع النخب السياسية في المغرب إلى مستوى الدستور الحالي، مشدداً على أن النص الدستوري يتضمن مخزونا إذا تم استثماره بشكل جيد سيساهم أكثر في بناء الصرح الديمقراطي والمؤسساتي ويطور سياق الحقوق والحريات ويطور البنية الديمقراطية.
وعلق بالقول إن “الدساتير كنصوص تحدد قواعد اللعبة السياسية لكنها تتطلب نخب قادرة على تأويل صحيح لمضامينه، وتعمل على تنزيلها بشكل سليم من خلال الممارسة السياسة، وأيضا الاجتهاد العقلاني والواقعي للفراغات التي قد تحصل”.
مكاسب حقوقية وقانونية
بدوره، أشاد القاضي المغربي أنس سعدون، عضو نادي قضاة المغرب وعضو مؤسس للمرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية، بمضامين الدستور الجديد، معلقاً: “9 سنوات من صدور دستور 2011، 9 سنوات من العمل الجاد لتكريس استقلال السلطة القضائية”.
وأوضح سعدون في تصريح اطلعت عليه (الاولى نيوز) أن هذه الفترة “شهدت عدة مكاسب قانونية وحقوقية، فعلى مستوى السلطة القضائية تميزت بتنزيل استقلالها الفعلي والحقيقي عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، من خلال إرساء المجلس الأعلى للسلطة القضائية بتشكيلته الجديدة المنفتحة على مكونات المجتمع المدني الحقوقي، إقراراً وتكريساً لفكرة أن القضاء شأن مجتمعي ولا يهم القضاة فقط”.
وتابع: “وهكذا أصبح المجلس يضم الى جانب 10 قضاة منتخبين عن زملائهم في المحاكم، 5 شخصيات مستقلة يعينها الملك من بينها عضو يقترحه المجلس العلمي الأعلى، مشهود لها بالكفاءة والدفاع في مجال استقلال القضاء، إلى جانب رئيسة المجلس الوطني لحقوق الانسان والوسيط، والأعضاء الدائمين وهم الرئيس الأول والوكيل العام للملك ورئيس الغرفة الأولى بمحكمة النقض، دون أن ننسى وجود قاضيات في المجلس في اطار مراعاة مقاربة النوع الاجتماعي وسعي المجلس الى تحقيق المناصفة”.
وأكد أن هذه الفترة، عرفت لأول مرة تكليف النساء القاضيات بالقيام بمهام قضاء التوثيق بعدما ظلت هذه المهمة ذكورية، عبر التاريخ القضائي في المملكة، كما تزايدت نسبة النساء القاضيات في مراكز صنع القرار، رغم الاكراهات الموجودة.
وأضاف أن الدستور المغربي الجديد مكن من إحداث مؤسسة رئاسة النيابة العامة، التي أصبحت ولأول مرة في تاريخ المملكة مستقلة عن وزارة العدل، وأصبح الوكيل العام لمحكمة النقض رئيسا للنيابة العامة، وتمكنت هذه المؤسسة من إصدار تقارير تقدم حصيلة سهرها على تنفيذ السياسة الجنائية، وتم نشر هذه التقارير في اطار تنزيل الحق في الوصول الى المعلومة.
ولفت القاضي المغربي، إلى أن الدستور ارتقى “بالمجلس الدستوري الى درجة محكمة دستورية، وسمح الدستور لأول مرة للمتقاضين بطرق أبواب المحكمة الدستورية لاختبار مدى ملاءمة المقتضيات القانونية لأحكام الدستور، في اطار اثارة الدفع بعدم دستورية القوانين، وهو الاستحقاق الهام الذي ينتظر المحكمة الدستورية في الايام المقبلة بعد المصادقة على هذا القانون”.
وعلى مستوى الحقوق والحريات، أشار سعدون إلى أنه “تنزيل حق القضاة في تأسيس جمعيات مهنية والانخراط في الجمعيات المدنية في اطار ما يسمح به القانون وتوصي به المعايير الدولية، وقد أصبحت جمعيات القضاة شريكا في عملية اصلاح منظومة العدالة خاصة على مستوى القوة الاقتراحية حيث أصبح عطاؤها بارزا على مستوى الساحة الحقوقية”.
وختم سعدون بالقول إن “الدستور الجديد اعتنى أيضا بحقوق المتقاضين وسير العدالة وتم التنصيص على منع احداث أي محكمة استثنائية، وبموجب قانون القضاء العسكري الجديد تم منع محاكمة المدنيين أمام المحكمة العسكرية، في تنزيل لأحد أهم توصيات هيئة الانصاف والمصالحة”.
الأولى نيوز- متابعة