خط التنوير .. بين الدولة واللادولة
بقلم:كاظم المقدادي
من بين مئات عمليات الاغتيال التي قامت بها عناصر منفلتة ، لا تخضع لقوانين الدولة ، وتستغل مؤوسساتها لتوسيع نفوذها وهيمنتها .. اثارت عملية اغتيال هشام الهاشمي نقطة مهمة تتعلق بالحدود المتهالكة بين منطق الدولة ، وبين فوضى اللادولة .هشام الهاشمي .. وفي مشروعه التنويري ، كان يسعى الى اذكاء الحس الامني الوطني ، و الى استعادة هيبة الدولة ، وبسط نفوذها في جميع مفاصل الحياة .وعندما تم اختيار السيد مصطفى الكاظمي رئيسا للوزراء ..كان هناك انسجاما فكريا و وطنيا ، بين رجل الدولة .. والباحث في شأن الدولة ، بين العقل السياسي ، وبين العقل التنويري .طبعا.. لم يكن شهيد الكلمة الحرة ، وحده في هذا المشروع التنويري الكبير ، بل كنا مجموعة مثقفة تحاول وبثبات تنوير العقل العراقي ، باتجاه .. ( ان تكون الدولة الدستورية هي المرجعية الوحيدة للمواطنين ) حفاظا على اتساق المنظومة المجتمعية العاملة في خدمة الدولة المتحضرة ، الناهظة الواعدة .لكن مشروعنا هذا كان محاصرا من قبل الاحزاب السياسية المتخلفة ، الباحثة عن السلطة والمال .. وظلت ولسنين طوال ، تتحكم بالشعب وتسخر من فكرة المجتمع المدني ، وتتجاهل حقوقه ، وتقمع مظاهراته ، ولا تحترم طموحه ، وتتمسك وبصلافة الجاهلين بمشروعها الظلامي المرعب ، باساليب متخلفة ، وادوات قمعية مبتكرة ، تغذيه من قريب ، او بعيد ..دولة هي الاخرى مارقة في تصنيف المجتمع الدولي المتحضر .لا بد من الاعتراف.. ان الصدام المرتقب بين اجهزة الدولة العاقلة ، و مجموعات اللادولة المشاغبة ، بات وشيكا.. الدولة تريدها مواجهة معلنة ، تعتمد على اجراءات قضائية متأنية ومدروسة.. بينما الفصائل المسلحة .. تريد ان يكون الصدام على نمط حروب العصابات تتخللها ، تهديدات وتفجيرات واغتيالات .. وعرضا مستمرا لقوة العضلات .. للضغط على حكومة الكاظمي ، وجعلها عاجزة من خوض معركة الفصل بينها ، وبين الدولة .السيد مصطفى الكاظمي .. وصل الى المنصب التفيذي الاول ، على خلفية ادارة جهاز مهم وخطير ..وكان يضع امامه خريطة امنية معقدة ، ويحاول اليوم من جديد ، اعادة الدولة المختطفة ، بعدان فهم الوضع الامني بدقة اكثر ، واعاد تثبيت النقاط الحمر على الخريطة الامنية ، التي لم تفارقه ، منذ ان كان مديرا للمخابرات .نتذكر .. وفي اول كلمة له الى الشعب العراقي ، تاكيده .. على ان حكومته / حكومة افعال وليس اقوال . اليوم ومع تسارع الحوادث الامنية ، وبعد الاقتحام المسلح ، للمنطقة الخضراء ، والتهديد السافر بقتل الكاظمي من قبل فصائل مسلحة ، كانت تتحدى الدولة باستمرار .. اصبحت المواجهة حتمية ، لاعادة هيبة الدولة ، واحلال منطق الدولة ، مكان عربدة اللادولة .اعتقد جازما .. ان المشروع الوطني الملح الذي تخلف عنه الجميع ، والذي يتبناه اليوم السيد الكاظمي .. و يرتكز على اعادة هيبة الدولة ، وتجريد الفصائل المسلحة من سلاحها ، وهيمنتها ، ونفوذها .. كان وما يزال من اهم مطالب ثوار تشرين ، وصار مطلبا غير قابل للتراجع .اغلب الظن .. ان السيد الكاظمي سوف لن يلجأ الى ضربات سريعة وقاضية ، ولا الى صولة للفرسان .. انه سيحاول وبارادة الدولة .. تفكيك هذه المجموعات على نار هادئة ، لعزلها عن محيطها ، مستفيدا من غضب الشارع ، ومن التفاف الاجهزة االامنية للدولة حوله ، وتحريك السلطة القضائية لصالحه ، باتجاه فرض قوة القانون .. لكنه بحاجة ايضا .. الى عقول تنويرية كعقل هشام الهاشمي ، الذي رصد في بحثه الاخير توجهات مختلفة في صفوف الحشد الشعبي.. فليس كل قيادات الحشد الشعبي ، كما يرى الهاشمي ، تفكر بطريقة المجموعات الظلامية .. ويبدو ان هذا التحليل كان سببا اضافيا للاسراع في تصفيته ، في عملية غادرة ، اثارت غضب الشارع العراقي ، والضمير العربي والدولي .لقد حرص السيد مصطفى الكاظمي ، على جمع كل الوثائق التي كان بحوزة المرحوم هشام الهاشمي .. وكان جهاز الموبايل من ضمنها ، وفي داخله كم هائل من المكالمات الهاتفية ، والتهديدات المعلنة ، والمبطنة التي كانت تصله باستمرار .لم تحن ساعة الصفر بعد.. فرجل المخابرات السابق ، يعمل بعقله لا بعاطفته ، ويحتاج الى وقت طويل للانقضاض على خصمه ومحاصرته ، واضعافه ، وتسليمه للقضاء ، واظهار قوة الدولة ، واستعادة هيبتها ، بعيدا عن حكم الميلشيات .. وهذا ليس بالامر الهين .. كما يتصوره الشارع العراقي .. المتلهف لانهاء عسكرة المجتمع ، وعودة دولة المؤوسسات ، دولة المواطن .. لا دولة الميليشيات. .بات من المؤكد .. ان اغتيال الهاشمي لن يسجل هذه المرة ، ضد مجهول ، لان القاتل صار معلوما للجميع .ان التنوير .. هو خط الحياة .. وما عداه ، فهي خطوط الموت ، والجهل ، والحرمان