حين يكون السياسي بليداً
حين يكون السياسي بليداً – نوزاد حسن
البليد شخص بطيء الفهم وخامل وكسول.هكذا تعرفه القواميس.واذا اختبرنا هذه الصفة في الاشخاص فمن الممكن ان نقول ان البليد هو ذلك الشخص الذي ينظر الى الواقع من خلال زجاج سميك بحيث لا يثير فيه هذا الواقع اي شعور.ومن هنا تختلف بلادة الشخص العادي الذي نصادفه هنا وهنا عن بلادة السياسي. قد يكون الطبيب بليدا بحيث ينظر الى مرضاه على انهم آلات اصيبت بعطل وعليه ان يصلح ذلك العطل كي تدور آلة الجسم.انه يفحصهم بصمت,ويكتب “راجيتة” العلاج بلا مبالاة واضحة.وبعد ان يخرج المريض من غرفة الطبيب يدخل مريض آخر وتجري العملية نفسها. استاذ الجامعة قد يكون بليدا ايضا حين يسجن في ورق محاضرته,وحين يكون طلبته مجرد ارقام لا اكثر.في هذه الحالة ينعزل الاستاذ الجامعي في عالمه الخاص,وتموت فكرة صناعة تلاميذ يبشرون بثقافة خاصة تعلموها من استاذ ملهم. اخطر بليد في العالم هو السياسي ان تمتع بهذه الصفة.سيكون قادرا على مواجهة اصعب المآسي دون ان يشعر بان شيئا قد حدث.هو محصن جدا ضد الشعور بالقلق والالم والانزعاج.وعنده دائما تبرير لكل ما يقع دون ان تصدمه النتائج السنوية لاعداد المنتحرين او ضحايا الارهاب او صفقات الفساد. لن ابالغ لو قلت ان تاريخ السياسة عندنا هو تاريخ للبلادة السياسية بكل ما في الكلمة من معنى.ونحن حين نتحدث عن الحكومات التي استلمت السلطة طوال عقود بدءا من العهد الملكي حتى هذه اللحظة انما نتحدث عن البلادة عند رجال حكموا,واختلفت حظوظهم من هذه الصفة. مثلا حين يقول الكثيرون لو ان صدام حسين لم يشن حروبه العبثية لما دفع العراق ثمن تلك الحروب,وخسر كل ما خسره.هذا يعني شيئا واحدا هو:ان صدام حسين شخص بليد بينه وبين معاناة الناس وآلامهم سنوات ضوئية لذا لم يشعر بأن حروبه ستدمر حياة الناس ومستقبلهم. مثل اكثر دلالة:هناك من يتحدثون عن الزعيم عبد الكريم قاسم باعجاب كبير.لماذا؟لأن الزعيم تجاوز صفة البلادة,واقترب من حياة الناس.ولم يعزل نفسه خلف جدران القصور العالية كي يبعد عنه صور الواقع بكل قسوته.