حوكمة تشريعات الرواتب والإمتيازات المالية للموظفين
احمد طلال عبد الحميد البدري
يحتل موضوع حَوْكَمَة التشريعات المتعلقة بالرواتب والحوافز والامتيازات المالية مكانة مرموقة في الدراسات القانونية والإدارية والسلوكية لعلم النفس، طالما أن الغاية من عمل المنظمات الحكومية أو الهيئات العامة هو تحقيق أعلى مستوى من الأداء وجودة الانتاج وتقديم الخدمات، إذ في الغالب يرتبط الرضا الوظيفي (Job satisfaction) بعوامل داخلية تتعلق بمدة رضا الموظف بالمدخولات المادية ومدى ملائمتها للجهود المبذولة من قبله وهل يحضى الموظف بالتقدير الكافي الذي يدفعه إلى تحسين الأداء والاعتزاز بانتمائه للمنظمة التي يعمل فيها، ومدى قناعته بالمردود المالي والحوافز المالية مقارنة بأقرانه من الموظفين الذين يكونون في مركز قانوني مماثل له، ومدى عدالة التشريعات المالية في تحقيق المساواة بين الموظفين، فمن مقتضيات مبدأ المساواة أمام القانون عدم إصدار تشريعات تميز بين فئات موظفي الخدمة العامة الذين يكونون في مراكز قانونية متماثلة من حيث الشهادة والعنوان الوظيفي وطبيعة العمل المؤدى ومقدار الخدمة الوظيفية، إذ أن من شأن التمايز خلق هيئات جاذبة للتعيين واخرى طاردة وهذا يتنافى مع جهود الاصلاح في الوظيفة العامة وسيدفع الموظفين غير الراضين على أوضاعهم الوظيفية أما ترك الوظيفة أو تقاضي الرشاوى والفساد المالي لسد الفجوة في نظام الرواتب والحوافز المالية، كما تعزز الحَوْكَمَة التشريعية للرواتب والامتيازات المالية تفعيل نظام عادل ومتوازن للمخصصات المالية والمكافآت والحوافز، والامتيازات والخصومات التي توفرها الوزارة لموظفيها بالتعاون مع الشركات العامة أو الخاصة بدلاً للبدلات المالية، إذ كلما زاد حجم وتنوع الامتيازات والخصومات المقدمة كلما زاد رضا وتناغم الموظفين ويعزز انتمائهم للجهة الحكومية التي يعملون فيها، إضافة لما يمكن تقديمه من برامج الرفاه الوظيفي كالدوام المرن والرعاية الطبية والحضانة والسلامة المهنية .إن المتتبع للوضع التشريعي الخاص برواتب ومخصصات موظفي الخدمة المدنية في العراق يمكنه أن يؤشر عدم فاعلية هذه التشريعات وعدم واقعيتها لأنها تصدر بشكل غير مدروس وغير مخطط ، فضلاً عن افتقارها لدراسات تقييم الاثر التشريعي وما يمكن أن يترتب عليه في المستقبل، ومن المؤكد أن الاعداد للتشريع من العمليات المهمة التي تتطلب دراسة كافة العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتشريعات السابقة والمقارنة، إذ أن عملية اصلاح نظام الرواتب والاجور والمخصصات عملية تحتاج لاعداد دراسات اقتصادية ومالية واجتماعية ونفسية تدخل في استرتيجيات الاصلاح وسياسات تنفيذها.ولذلك نجد أن تشريعات الرواتب والمخصصات في العراق لم تستقر بعد 2003 لأنها كانت ارتجالية، حيث صدر أمر سلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلة) المرقم (30) في 8/9/2003 الخاص بإصلاح رواتب وظروف عمل موظفي الدولة، والذي بين أن غرض هذا الأمر وأهدافه أصلاح نظام الرواتب الساري كونه يستند لحوافز معقدة ويفتقر للشفافية ويؤدي لتفاوت كبير في مستويات الرواتب التي يحصل اشخاص في نفس المراكز القانونية ويؤدي نفس الاعمال في كافة مجالات القطاع العام، وتشجيع حاملي المؤهلات للعمل بالقطاع العام والتخلص من الفاشلين الذين يتكرر فشلهم في تحقيق ادنى مستويات الأداء المتوقعة من نظرائهم العاملين في المراكز والدرجات الموازية للمراكز والدرجات التي يشغلونها وتم تعليق كافة القوانين والأنظمة والتعليمات والاوامر القائمة التي تحدد بموجبها رواتب أو أجور خاصة أو حوافز مالية في القطاع العام وقد أرفق بالأمر سلم رواتب يتضمن الدرجات الوظيفية وفقاً للتصنيف الوظيفي، وتحدد درجة الموظف تبعاً لمدة خدمته وجودة أداءه أثناء الخدمة ثم ألغي جدول الرواتب المشار إليه بالملحق (أ) من الأمر (30) لسنة 2003 وتم أحلال جدول رواتب جديد بموجب المادة (1) من القانون رقم (31) في 31/8/2007 المعدل للأمر المذكور آنفاً،حيث جاء في أسباب تعديل جدول الرواتب بأن الهدف من التعديل مساعدة فئة الموظفين من الدرجات الدنيا والوسطى ورفع مستواهم المعاشي وهذا إقرار من المشرع بعدم عدالة ومساواة تحديد هذه الرواتب وفشل الجدول الملحق بالأمر (30) لسنة 2003 في تحقيق اصلاح نظام رواتب ومخصصات موظفي الخدمة المدنية، ثم ألغي الأمر المذكور بصدور قانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام رقم (22) لسنة 2008 ? إذ كان الهدف من اصدار هذا القانون تعديل رواتب الموظفين المشمولين بأحكامه بما يؤمن لهم مستوى معيشي أفضل مع الاخذ بنظر الاعتبار المؤهلات العلمية والمنصب الوظيفي والموقع الجغرافي والخطورة وسنوات الخدمة والحالة الاجتماعية ، وحسب جدول درجات الموظفين وعلاواتهم السنوية ومدد ترفيعاتهم الملحق بهذا القانون ، كما تضمن القانون منح مخصصات للشهادة حسب التأهيل العلمي، ومخصصات منصب لشاغلي التشكيلات الإدارية ومخصصات موقع جغرافي ومخصصات خطورة مهنية ومخصصات إعالة ومخصصات الاطفال ، إلا أن القانون المذكور لم يحقق مبدأ العدالة في توزيع الرواتب بين فئات الموظفين مما دعى مجلس الوزراء لاصدار القرار المرقم (352) لسنة 2013 لرفع رواتب الموظفين من الدرجة (العاشرة) الى الدرجة (الرابعة) وبنسبة (114%) للدرجة العاشرة ولغاية (4%) للدرجة الرابعة بسبب ارتفاع نسبة التضخم وتأثيره على المستوى المعيشي للموظف وفقاً للجدول الملحق به الذي يتضمن التعديل مع استثناء الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة ذات القوانين الخاصة ، أن هذا التعديلات في سلم الرواتب خلال الفترة الزمنية الممتدة من 2003 ولغاية 2013 يعكس عدم واقعية هذه القوانين في تقدير الرواتب والمستحقات لموظفي الدولة إضافة لعدم الاخذ بنظر الاعتبار الوضع السياسي والاقتصادي والامني والمتغيرات التي يمكن أن تؤثر على دخل الموظف بسبب التضخم الاقتصادي ومحدودية دخل الموظف مع وجود اعداد كبيرة من الموظفين خارج الحاجة الحقيقية وتضخم الجهاز الإداري وتدني انتاجية القوى العاملة الذي يعتبر من اكبر تحديات الاصلاح الإداري على المستوى المؤسساتي ، وتلعب الحَوْكَمَة التشريعية دوراً كبيراً في وضع الاطر التشريعية والمعايير والآليات الشفافة في تحديد نسب الرواتب والمخصصات وتحقيق العدالة في التوزيع وتقليل الفارق في فجوة الرواتب الوظيفية، وفق المعايير الاتية :
اولاً : مبـدأ العدالـة:يجب بناء استراتيجيات اصلاح نظام الرواتب والمخصصات على أساس مبدأ العدالة، إذ في الغالب يلاحظ الموظف العلاقة بين نوعية وكمية الاجور والحوافز والمخصصات التي يحصل عليها ومقدار ما يبذله من جهد أو عمل آخرين مناظرين له في الوظيفة العامة أو حتى خارجها، فإذا كانت الحالة متوازنة بين المدخلات والمخرجات عندها يشعر الموظف بالرضا الوظيفي ، إذ أن تحديد الرواتب والمخصصات يجب أن يكون وفقاً لاسس ومعايير علمية واقعية وعملية واضحة لا يترتب عليها فوارق بين فئات الموظفين المختلفين، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بالاستناد الى تشريع مؤسس على معايير مقنعة وتحقيق العدالة للجميع ويكفي لاشباع حاجاتهم ويولد لديهم الشعور بالثقة والاطمئنان ويمنحه حصانة من الفساد الوظيفي ويوفر لهم الامن الوظيفي الذي ينعكس تأثير ذلك على أداء الموظف وأمانته ونزاهته ، أن الحَوْكَمَة التشريعية تعمل على معالجة فجوة الرواتب التي تنشأ بين فئات الموظفين وهي بذلك تلعب دوراً كبيراً في تضيق منسوب (اللاعدالة) بين الموظفين فضلاً عن كونها أحد أساليب ترشيد النفقات العامة وهذا يتطلب تحديد مصادر الفجوة وقرار سياسي لمعالجتها.
ثانياً: تقليل الفجوة في الرواتب والمخصصات الوظيفية على المستوى الافقي والعمودي:لا يقتصر وجود الخلل في تنظيم الرواتب والمخصصات على مستوى نوع الوظيفة الواحدة بشكلها العمودي (الفئات العليا – الوسطى – الدنيا)، وإنما توجد الفجوة على المستوى الافقي لنفس هذه الفئات، فموظف الخدمة الخارجية يتمتع بمخصصات الخدمة الخارجية إضافة للمخصصات المنصوص عليها في قانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام رقم (22) لسنة 2008 المعدل، كذلك الحال يتقاضى الموظفين العاملين في هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية الاتحادي مخصصات تصل إلى (130%) من الراتب والاجور إضافة لتمتعهم بالمخصصات المقررة في التشريعات النافذة ، وكذلك يتقاضى موظف الخدمة الجامعية المتفرغ والمتفرغ العلمي مخصصات خدمة جامعية شهرية بنسبة (100%) من راتبه الشهريوكذلك يمنح الموظفون الفنيون في وزارة التعليم العالي مخصصات بنسبة (100%) من الراتب ويمنح الموظفون الفنيون الذي يتطلب وجودهم مع موظفي الخدمة الجامعية مخصصات الخدمة الجامعية بنسبة (75%) من الراتب ، كذلك يتمتع الموظفين الذين يمارسون أعمال وظيفية مماثلة في بعض الوزارات بحوافز مالية كوزارتي النفط والكهرباءلا يتقاضاها نظرائهم الذين يمارسون نفس المهام الوظيفية في وزارات أخرى، ناهيك عن الجهات التي لديها نظام خاص للرواتب والمخصصات والتي لا تخضع لاحكام قانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام رقم (22) لسنة 2008 المعدل كرئاسة الجمهورية والجهات المرتبطة بها والامانة العامة لمجلس الوزراء ومكتب رئيس الوزراء والجهات المرتبطة به، الهيئة الوطنية للاستثمار، المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ومجلس القضاء الاعلى وغيرها من الجهات التي استثناها قرار مجلس الوزراء المرقم (352) لسنة 2013 من الزيادة التي شملت رواتب الموظفين من الدرجة العاشرة الى الدرجة الرابعة فقط، وبسبب هذا الفرق وعدم العدالة في توزيع الرواتب لجأ مجلس الوزراء بموجب قراره المرقم (366) لسنة 2015 الى تعديل جدول الرواتب والرسوم استجابة لتوصيات لجنة اصلاح نظام الرواتب والمخصصات لموظفي الدولة كافة المشكلة بموجب الأمر الديواني المرقم (317) لسنة 2015 باعتبار السلم الجديد يقلل نسبة الفروقات ويحقق درجة أعلى من العدالة ، كذلك يمكن ملاحظة الفجوة في العلاوات السنوية ما بين الدرجة الأولى التي تكون علاوتها السنوية (20) ألف دينار وما بين الدرجات العليا (أ) و(ب) اتلي تكون علاوتها السنوية (83) الف دينار وهو فرق كبير لا يتناسب مع فرق العلاوات السنوية لبقية الدرجات التي لا تتجاوز (3) آلاف دينار، كذلك يمكن أن نلمس الفرق على مستوى الدرجات العليا (أ) و(ب) أفقياً حيث نصت المادة (6/ثالثاً) من قانون رواتب ومخصصات مجلس الوزراء رقم (27) لسنة 2011 على منح المدراء العامون ومن هم بدرجتهم العاملون في الرئاسات الثلاث (مجلس النواب، رئاسة الجمهورية، رئاسة مجلس الوزراء) مخصصات خطورة مقدارها (1,000,000) مليون دينار إضافة لمخصصات المنصب البالغة (1,000,000) مليون دينار أيضاً .
ثالثاً : التحديد التشريعي للرواتب والمخصصات:يجب عدم ترك تحديد الرواتب والمخصصات للانظمة والتعليمات والقرارات الإدارية حتى لا يساء استخدام الصلاحيات التشريعية اللائحية من قبل السلطة التنفيذية، كما أن سكوت المشرع عن تنظيم هذه المسائل رغم وجود الزام وتكليف دستوري بالتشريع يعد امتناعاً تشريعياً عن قيامه بواجبه بالتشريع فعلى سبيل المثال نجد أن قانون رواتب ومخصصات مجلس الوزراء رقم (27) لسنة 2011 ألغي لعدم دستوريته بموجب قرار المحكمة الاتحادية العليا (48/اتحادية/2012) في 25/2/2012? وكذلك بالنسبة لقانون رواتب ومخصصات رئاسة الجمهورية رقم (26) لسنة 2011 أيضاً الغي لعدم دستوريته بموجب قرار المحكمة الاتحادية العليا المرقم (19/اتحادية/2013) في 6/5/2013 بسبب اصرار الحكومة على اصدار قانون موحد لرواتب الهيئات الرئاسية الثلاث واصرار البرلمان على تجزئة مشروع القانون الى ثلاث قوانين كان مصيرها الالغاء من المحكمة الاتحادية العليا لعدم اتباع السياقات الدستورية في تشريعها، ولم يصدر أي تشريع ينظم هذه المواضيع واكتفى مجلس النواب باصدار قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13) لسنة 2018 في نهاية دورته التشريعية لضمان الامتيازات المالية لاعضاءه وهو أيضاً تعرض للطعن بعدم دستوريته، ولذلك فإن القاعدة العامة في تنظيم الرواتب والمخصصات بقيت معتمدة على القرارات والتعليمات الصادرة من الامانة العامة لمجلس الوزراء بسبب غياب التشريع ، وبتاريخ 8/9/2015 أصدر مجلس الوزراء قراره المرقم (333) لسنة 2015 المتضمن الموافقة على تخفيض الرواتب والرواتب التقاعدية للرئاسات الثلاث والوزراء والوكلاء ومن بدرجتهم والمستشارين والمديرين وهي من ضمن القرارات الخاصة بحزمة الاصلاح المقدمة من رئاسة الوزراء والخاصة (باصلاح نظام الرواتب والمخصصات الاستثنائية للرئاسات كافة والهيئات ومؤسسات الدولة والمتقاعدين وتخفيض الحد الاعلى للرواتب التقاعدية للمسؤولين في الدولة) ، حيث تضمن القرار المذكور التعديلات الآتية :
1- اصدار سلم رواتب جديد للدرجات العليا الرئاسات والوزراء واعضاء مجلس النواب ووكلاء الوزارات والمستشارين والمديرين العامين ومن بدرجتهم ومن يتقاضى رواتبهم.
2- حجب المخصصات الممنوحة بموجب قرارات أو تعليمات سابقة مع الابقاء على المخصصات المقررة بموجب المادتين (11/أولاً) و(14) من قانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام وهذه المخصصات هي (مخصصات الشهادة ومخصصات الاعالة) فقط مع تخفيض مخصصات المنصب الى نسبة (50%) من الراتب الاسمي.
3- عدم جواز الجمع بين المخصصات الممنوحة بموجب قوانين خاصة والمخصصات الممنوحة بموجب هذا القرار، ويخير الوكلاء والمستشارين واصحاب الدرجات الخاصة والمديرين العامين بتقاضي أحد هذه المخصصات.
4- ايقاف صرف الرواتب التقاعدية التي منحت بموجب قوانين وقرارات سابقة للذين شغلوا مناصبهم بعد تاريخ 9/4/2003 ويعاد احتساب رواتبهم التقاعدية وفق المادة (21/أولاً/ثانياً) من قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014 ووفقاً لسلم الرواتب الملحق بهذا القرار.ورغم أهمية أرجاع احتساب الرواتب التقاعدية الى المادة (21) من قانون التقاعد الموحد التي تعتمد الخدمة والعمر لمنح المستحقات التقاعدية، إلا أن ذلك يقتضي أن يصدر بموجب تشريع يلغي هذه التشريعات ويوحد أسس الاحالة على التقاعد لجميع الموظفين وفقاً لما ورد في قانون التقاعد الموحد، إذ أن قرارات السلطة التنفيذية لا يمكن أن توقف أو تلغي القوانين والتشريعات السابقة، فالتشريع لا يلغى إلا بتشريع.
5- تم لاحقاً تخفيض رواتب هيئة رئاسة مجلس النواب بنسبة (50%) من مخصصات الراتب، وتخفيض رواتب اعضاء مجلس النواب بنسبة (45%) من مخصصات الراتب، وتخفيض رواتب الدرجات الخاصة بنسبة (40%) من مخصصات الراتب انسجاماً مع قرار مجلس الوزراء المرقم (282) لسنة 2015 بموجب المادة (57/ثانياً) من قانون الموازنة الاتحادية بجمهورية العراق رقم (9) لسنة 2018.
رابعاً: ربط الاجور والمخصصات المتغيرة بالأداء الجيد والنزاهة:
إن الهدف الرئيس من تقسيم مستحقات الموظفين الى رواتب ثابتة ومخصصات وحوافز متغيرة هو لغرض التمييز بين الموظف المجتهد والامين وغيره ممن لا يتصفون بهذه الصفات، وهدف ذلك مكافئة الموظف المجتهد وحث غير المجتهد لتطوير وتحسين اداءه لينال هذه المكافئة أو الحوافز أو المخصصات ، ويلاحظ ان الواقع يشير الى أن نظام الاجور في العراق وفي مصر لا يرتبط بالجدارة والكفاءة بل يرتبط بتصنيف الوظيفة وسنوات الخبرة، حيث أشارت الدراسات في هذا المجال الى أن عدم ربط الاجور المتغيرة بالأداء سواء أكان بسبب المحسوبية والواسطة أو بسبب الاعتبارات الاجتماعية يدفع الى الاتكالية بين قطاع كبير من الموظفين، وعدم ايجاد روح تنافسية شريفة ترفع مستوى الأداء، فإذا تساوى العامل أو الموظف المجتهد من غير المجتهد بالمزايا والحوافز المالية فإن ذلك مبرر مقنع للتهرب من المسؤولية والجدية في العمل والتمسك بقيم النزاهة، وهذا يعد مدخلاً من مداخل الفساد في الوظيفة العامة.خامساً:
تحديد القيمة الحقيقية للرواتب والمخصصات:ترتبط سياسات تنظيم الرواتب والمخصصات والحوافز والساعات الاضافية وغيرها من المزايا المالية أرتباطاً وثيقاً بالاقتصاد الوطني والثروة الوطنية وحسن إدارتها واستقلالها، وكذلك ترتبط سياسات الرواتب والاجور بمعدلات التضخم والبطالة والفساد والكثير من العوامل، وبالتالي فإن رسم هذه السياسات يجب أن يكون متأتياً من دراسات عميقة للواقع الاقتصادي ومدى استقرار سعر الصرف وأثره على العملة الوطنية والسياسية النقدية، ففي الغالب كانت الرواتب والمخصصات فاقدة لقيمتها الحقيقية بسبب زيادة معدلات التضخم التي فاقت الزيادات في الرواتب مما أفقد هذه الزيادات قيمتها، وفي العراق هنالك زيادات مضطردة في نسب التضخم في الاقتصاد العراقي بالرغم من الثبات النسبي لسعر الصرف للدينار العراقي وهي الإدارة التي عولت عليها السياسة النقدية في العراق للحد من هذه الظاهرة، الأمر الذي جعل الزيادة في الرواتب والاجور لا تعني شيئاً أمام ارتفاع أسعار السلع والخدمات وبالذات الاستهلاكية منها والغذائية فضلاً عن ارتفاع أجور النقل وهذه الحالة تعرف بالاثر المضاعف في لغة الاقتصاديين .
لما تقدم ندعو المشرع العراقي الى اعادة النظر بالتشريعات التي تنظم رواتب ومخصصات موظفي الدولة والقطاع العام واخضاع التشريع للمعايير اعلاه لتحقيق الرضا الوظيفي وتحسين جودة الاداء في المرافق العام …والله الموفق