حلول عراقية على رفوف صناع القرار العالية
مازن صاحب
في وقت تعاني العملية السياسية برمتها من حالة انغلاق سياسي مع اعلان نتائج كل دورة برلمانية، تتسارع خطوات مراكز التفكير العراقية بالإعداد لمؤتمرات علمية سنوية بعناوين مهمة تبلور الحاجة للتنمية السياسية المستدامة، لكن كما هو حال مفاسد المحاصصة، لا تأت هذه المؤتمرات بالنتائج التي يمكن لها ان تضع تلك الحلول الفضلى لمعالجة الانغلاق الذي تواجهه العملية السياسية، السؤال اين الخطأ؟ فقد عقد مؤتمر حوار بغداد الدولي الرابع والذي اقامه المعهد العراقي للحوار تحت شعار (ستراتيجية التحول إلى دولة فاعلة) اعماله في العام الماضي، كذلك عقد منتدى بحر العلوم جلسات شهرية كمحاولة تهدف الى تنشيط الحوار بين النخب العراقية وسد جزء من الفراغ الذي تعانيـه الساحة في مختلف محاورها ومن مستــلزماته الانفتاح على مختلف الشرائح العراقية بعيدا عن التخندقات الحزبية والطائفية والقومية. فيما اعلن مركز الرافدين للحوار RCDعن عقد ملتقاه القادم بنسخته الرابعة “ملتقى الرافدين 2022” تحت شعار “العالم يتغير” للمدة من الاثنين 26- الخميس 29 أيلول 2022 ، كذلك اعلن المجلس الاستشاري العراقي إطلاق منتدى العراق للحوار والتنمية بنسخته الأولى، وقال فرهاد علاء الدين رئيس المجلس أن المنتدى يهدف الى تأسيس رؤية وطنية مشتركة لتقريب وجهات النظر المتباينة بين أقطاب المشهد السياسي الحاكم وتخفيف حدة الأزمات الراهنة، وبلورة وإنضاج وطرح الحلول للملفات العالقة، مضيفا أن المنتدى سيعقد في العاصمة بغداد في الأول من تشرين الأول المقبل، يستمر لمدة ثلاثة ايام ويكرس لمناقشة مستقبل العملية السياسية في العراق والعلاقة مع الجوار الإقليمي وترسيخ الهوية الوطنية وتدعيم السلم المجتمعي وتنويع مصادر الدخل ومعالجة الفقر وحلول الطاقة والمياه والسكن والاتصالات وإنعاش البيئة وإعادة إعمار البنى التحتية وتنشيط القطاعين الزراعي والصناعي. واذا ما راجعنا المؤتمرات السنوية التي تعقدها الكليات والجامعات الحكومية والأهلية، ناهيك عن ندوات متواصلة لتقديم سيناريوهات الحلول الفضلى لمشاكل عراق اليوم لعل ابرزها نتائج لجان التعديلات الدستورية ولجان التحقيق الخاصة البرلمانية التي تعاملت مع أزمات كبرى مثل التحقيق في جريمة سبايكر واغتصاب عصابات داعش لثلث الأراضي العراقية على سبيل المثال لا الحصر، يمكن ان نلاحظ ذلك الكم الكبير من الأفكار التي تطرح تلك الحلول من دون نتيجة وتبقى مجرد ملفات على الرفوف العالية لصناع القرار! اما اين الخطأ، اعتقد انه متعدد الأطراف، وفقا لما يلي: أولاً: ما زال صناع القرار السياسي غير قادرين على التعامل مع متغيرات الأوضاع العراقية والإقليمية والدولية بعقلية رجال دولة مهمتهم الأساسية بناء دولة عراق واحد وطن الجميع والاستمرار في دفع “صخرة سيزيف” لتطبيقات نظام مفاسد المحاصصة نحو الامام مهما كانت النتائج ما دامت النتيجة النهائية العودة لذات التطبيقات على حساب التنمية المستدامة لمستقبل اجيالنا المقبلة. ثانياً: يعرف جميع من يتصدى للبحث في مراكز التفكير العراقية ان أحد أبرز المعضلات في تطبيقات فاشلة لنظام المحاصصة انما تتمثل في التكليف الشرعي بمفهومي البيعة والتقليد والقفز على نفاذ القانون الدستوري الوضعي، الامر الذي كسر جرة الدستور لأكثر من مرة لاعتبارات مختلفة، هذا الامر يتطلب وعياً ودراية ربما تنحصر في المرجعيات الدينية لإيجاد ذلك الفاصل المطلوب ما بين منهجية الإسلام السياسي والجهاز الحكومي ومن دون ذلك تبقى عبارات البحث عن دولة عراقية فاعلة مجرد هباء منثوراً. ثالثا: أدى التخادم الزبائني بين أحزاب مفاسد المحاصصة الى شيوع الفساد السياسي والمجتمعي وأنتج أشنع أنواع الفساد المالي والإداري، ومنع وردع هذا التخادم، يتطلب أيضا دراية ومعرفة بأدلة العمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ومدى التزام الجهاز القضائي أولاً ومن ثم الجهاز الحكومي بأحكامها مما يتطلب ردم الفجوات التشريعية وإيجاد اليات الردع والمنع المفترضة وفقا لالتزام العراق الدولي. رابعاً: مازالت الكثير من مراكز التفكير العراقية تدور داخل التزامات التمويل من المال السياسي العام فقط لدحرجة حالة النقاش العام نحو تأصيل ما يرغب به صاحب التمويل وليس ما يمكن ان ينفذ على ارض الواقع، وهذا يتطلب ان يفهم صاحب التمويل الحاجة الى بحث الحلول التي يحتاجها لدعم بناء دولة وليس ترسيخ سلطان حكمه، وشتان بين الحالتين. خامساً: في حالة قناعة الممول لهذه المراكز البحثية حتى عبر المنح الدولية، اعتقد مطلوب تغيير شامل لأليات البحث عن تلك الحلول الفضلى واقعية التطبيق واهمية ان تكون سيناريوهات التطبيق ممكنة وليست معلقة في سقوف عالية للتفكير الاكاديمي او ما يطابق قناعة المانح الدولي ولعل اول تلك الفرضيات ان تستجيب تلك السيناريوهات لما يمكن ان يحقق طرفي معادلة الرفض والقبول وصولاً الى تسويات فكرية يمكن تحويلها الى برامج عمل سياسية واقتصادية ومجتمعية، من دون ذلك ينتهي أي مؤتمر كما انتهت أوراق ما قبله الى مجرد ملفات قد لا يقرأ صناع القرار الا عناوينها فقط. في ضوء كلما تقدم، ولأن النظام السياسي في عراق اليوم يبقى برلمانياً، أجد من الأهمية بمكان ان تكون هناك ضمن لجان مجلس النواب العراقي لجنة معنية بمخرجات هذه المراكز البحثية، سواء كانت اكاديمية ام من منظمات غير حكومية، وتكلف هذه اللجنة بالعمل على تخصيص فقرة في قانون الموازنة العامة لتمويل نشاطات هكذا مؤتمرات من المال العام وتوظيف مخرجاتها في صياغة التشريعات العراقية عندها فقط يمكن ان تكون مدخلات حيوية تسمع ردود افعالها في أروقة العملية السياسية ويبقى من القول لله في خلقه شؤون.