حكومة مصغرة في تونس والرئيس يحذر من ثورة ضد الفاسدين
في آخر تداعيات أزمة التعديل الوزاري في تونس، اعتبر الرئيس قيس سعيد ما قام به رئيس الحكومة هشام المشيشي مخالفة صريحة لنصوص الدستور.وبرر الرئيس التونسي ذلك بعدم المرور عبر الآليات القانونية،
وهي موافقة المجلس الوزاري قبل تغيير هيكلة الحكومة ثم عرضها مباشرة على رئيس الجمهورية من دون الحاجة للمرور عبر البرلمان ما يسقط التعديل برمته دستوريا.وذكر رئيس الجمهورية في رسالة وجهها لرئيس الحكومة بأن التعديل المقترح لا يحترم تمثيلية النساء التي يضمنها القانون،
كما يوجد من بين الأسماء المرشحة من تتعلق بهم شبهات فساد وفق تقارير للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.وأضاف سعيد أن هناك من يتخفى وراء هؤلاء المرشحين في إشارة لحركة النهضة وحلفائها
وقال” إن المشيشي وحزامه السياسي يعلم ما يوجه إليهم من تهم وما تحوم حولهم من شبهات ويتجاهلونها أو يحاولون التقليص منها “.واعتبر سعيد أن في تونس “هناك من يحاول إيهام الناس بأنّ البلاد في طور انتقال ديمقراطي، ولكن الأمر في باطنه انتقال من الحزب الواحد إلى مجموعة فاسدة واحدة”.
وأضاف رئيس الجمهورية أن هناك من يبحث عن حكومة على المقاس ويحاول باستمرار توظيفها حتى تكون في خدمة جهات بعينها، بالإصرار على نفس السياسات التي أدت إلى الانفجار الثوري في أواخر شهر ديسمبر من سنة 2010 وفق تعبيره.
خطاب شديد اللهجة من سعيد في وجه رئيس الحكومة ومن ورائه حركة النهضة وحلفائها، جاء بعد سويعات من قرار رئيس الحكومة إعفاء خمس وزراء من حكومته.
وقد أعفى المشيشي كلا من وزير العدل محمّد بوستّة، ووزيرة الصناعة والطاقة والمناجم سلوى الصغيّر، ووزير الشباب والرياضة والإدماج المهني كمال دقيش، ووزيرة أملاك الدولة والشؤون العقارية ليلى جفال، وزيرة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري عاقصة البحري.
وتعد هذه خطوة أولى في اتجاه استكمال التعديل الحكومي أرادها المشيشي بعد إعفاء الوزراء المراد تغييرهم وتكليف وزراء بالنيابة بحقائبهم لتتحول حكومته إلى حكومة مصغرة من 19 وزيرا.وجاء في بيان لرئاسة الحكومة أنّها تبقى منفتحة على كلّ الحلول الكفيلة باستكمال إجراءات التعديل الوزاري ليتمكّن الوزراء من مباشرة مهامهم، وأنها في انتظار استكمال إجراءات التعديل الوزاري.
الجدير بالذكر أن إعفاء الوزراء الخمس يأتي عقب أزمة قانونية وسياسية بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، حيث يرفض رئيس الجمهورية استقبال الوزراء الجدد لأداء القسم أمامه بعد تعديل وزاري شمل 11 حقيبة وحظي بثقة أغلبية مجلس نواب الشعب.
غير أن المسألة القانونية بحسب مراقبين تخفي وراءها صدامات متواصلة بين رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ورئيس الجمهورية تتأرجح بين المواجهات المباشرة أو غير المباشرة والتعديل الوزاري الأخير هو أحد أوجهها.فقد قام التعديل على أساس إزاحة الوزراء المقربين من سعيد، مثل وزير الداخلية ووزيرة الفلاحة ووزير العدل، مقابل ترشيح أسماء بديلة مقربة من حزبي النهضة وقلب تونس، وهي مناورة جاهزة مسبقا بين رئيس الحكومة وحزامه السياسي المتكون من النهضة وحزب قلب تونس وائتلاف الكرامة، وفق تصريحات رئيس الجمهورية.
وهذا أيضا ما ذهب إليه عدد من النواب داخل الكتلة الديمقراطية، حيث يرون أن المصادقة على منح الثقة للمشيشي في أغسطس الماضي كانت مشروطة من قلب تونس وحركه النهضة بإجراء هذا التعديل الحكومي في غضون أشهر باستبعاد أسماء بعينها.
مأزق التعديل الوزاري في تونس استمر لأسابيع، مر عبر المحكمة الإدارية وأساتذة القانون الدستوري وجميعهم أفتوا بعدم الاختصاص للبت في الأمر في غياب المحكمة الدستورية،
ليبقى التأويل الوحيد المتاح قانونيا لنص الدستور بيد رئيس الجمهورية.ولم يبق أمام المشيشي دستوريا غير الاستقالة أو إلغاء التعديل الوزاري أو التحاور من أجل تغيير الوزراء الذين تتحفظ عليهم رئاسة الجمهورية.
في غضون هذا المخاض السياسي، انعقد الاثنين اجتماع خلية الأزمة بالبرلمان للنظر في إحالة مشروع القانون الأساسي المتعلق بتنقيح وإتمام القانون الأساسي رقم 50 لسنة 2015 المتعلق بالمحكمة الدستورية،
على الجلسة العامة، غير أنه لم يحظ بموافقة أغلبية الحاضرين.وتعد هذه الخطوة محاولة من رئاسة البرلمان لتسريع مسار إنشاء المحكمة الدستورية باتجاه شروط أكثر مرونة من أجل إرساء المحكمة الدستورية ورفع يد سعيد عن الانفراد بتأويل الدستور.
وفي سياق ردود الفعل حول هذه التطورات السياسية اعتبر النائب محمد عمار، أن المشيشي استبق نتائج اجتماع خلية الأزمة بإعلانه عن إعفاء 5 وزراء وتكليف آخرين بالنيابة، اعتمادا على وعود من حزامه البرلماني بتمرير التعديلات المقترحة على القانون رقم 50 المتعلق بالمحكمة الدستورية، غير أن قراره سيعمق الأزمة في المدى القريب.وقال عمار في تصريح لموقع سكاي نيوز عربية “إن خطوة المشيشي متسرعة، فقد مارس سياسة الهروب إلى الأمام من أجل إرضاء حزامه السياسي الذي سيجعل منه كبش فداء لخصوماته مع سعيد”.
وأضاف أنه كان على رئيس الحكومة الاستفادة من الاستشارات التي قام بها، وخلصت جميعها إلى أن الأزمة سياسية، وأن يلتقط الإشارة إلى وجود فاسدين داخل التعديل المقترح بإيجابية ويتجه للتهدئة والحوار.
وعن الأزمة السياسية أوضح النائب أن الدولة في أسوأ حالاتها فيما لا يبدو أن للحكومة خطة عمل أو إصلاح واضحة ما يرجح رحيلها خلال شهر أو شهرين وفق محمد عمار.
الأزمة تراوح مكانها فالتعديل الوزاري لم يمر بسبب موقف رئاسة الجمهورية الذي يبدو أن هيئة مكافحة الفساد ومنظمة “أنا يقظ” تسانده، حيث أصدرت تقريرا تحدثت فيها عن شبهات فساد تتعلق بالمرشح لوزارة الطاقة والمناجم سفيان بن تونس، وقالت المنظمة إنه يرأس شركة تضم المحامي نبيل القروي الذي تتعلق به قضايا فساد مالي.كما قالت إن عميد كلية الطب بمحافظة سوسة هادي خيري، المرشح لحقيبة الصحة، تتعلق به شبهات توظيف علاقاته للتأثير على سير قضية قتل متعمد يتهم فيها شقيقه.أما المرشح لوزارة التشغيل يوسف فنيرة فتتعلق به شبهات تضارب مصالح
وفق تقرير رقابي صدر بشأنه أثناء توليه منصب الإدارة العامة للوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل.وكان قد أقيل بسببه بعد أن تبين أن شركة على ملك والدته وشقيقته تتعاقد لتدريب إطارات وأعوان الوكالة بشكل يخالف قانون التصريح بالمصالح والمكاسب في تونس.وأكد الناشط مهاب القروي، من منظمة “أنا يقظ”، أنهم دعوا لعدم منح الثقة لأربع وزراء وهم: وزراء الصحة والتكوين والصناعة والعدل، بسبب شبهات فساد جدية وفق وصفه،
غير أن رئيس الحكومة أصر على المضي بهم أمام مجلس النواب.وأوضح القروي في تصريح للموقع أن هناك تقارير حاسمة ومعطيات متعلقة بالوزراء تؤكد دعوتهم في القريب أمام القضاء وتحرص المنظمة على أن يحظون بمحاكمة كمواطنين وليس كوزراء لعدم التأثير على سير القضاء واحتراما للنزاهة