حسرات في شارع همرسميث بلندن
فاتح عبد السلام
كلّما مررتُ من أمام مبنى المركز الثقافي البولوني الكبير في شارع همرسميث الرئيس بلندن، انتابتني الحسرة لعدم امتلاك العرب، برغم دولهم الغنية، مركزاً ثقافياً اجتماعياً مفتوحاً للجميع، في العاصمة البريطانية التي تضم جاليات عربية كبيرة، ونخبة من المثقفين والادباء والفنانين. وتزداد الحسرة اتساعاً حين أتذكّر انّ أقدم مكتبة عربية في لندن أقفلت أبوابها مع بداية العام الجديد.هناك أماكن صغيرة لفعاليات ثقافية عربية لكنها بسبب ضعف الموارد وضيق المساحات تبقى مناسباتية، ولا ترقى لمستوى أن تكون مكاناً مفتوحاً لكل العرب. توجد ملحقيات ثقافية، وربّما بعض المراكز الثقافية العربية، لكنها تابعة لسفارات دولها وتبدو جزءً من البعثة الدبلوماسية وما يرافقها من محاذير في الحضور والأمن ونوع الفعالية.النُخَب الثقافية والفنية لا تحتاج الى أمكنة مغلقة على فعاليات وانشطة لا يراها احد من خارجها، وانما يجب أن تنشط فعاليات الثقافة العربية في فضاء اجتماعي واسع، لابدّ له من مساحات وافية لمبان ٍ في مواقع مهمة في لندن، لكي يرتادها الجميع ومن اعمار مختلفة، ولابأس ان تنظم فيها فعاليات اجتماعية صغيرة وثانوية في مقاه تكون عنصراً من عناصر الهوية العامة في العاصمة البريطانية.هذه المشكلة، موجودة في بقية الدول التي فيها جاليات عراقية وعربية كثيرة، ولاتزال الحلول في إطار فردي وعبر مبادرات جمعيات وأندية لا تتوافر على الإمكانات الكبيرة التي تحول المكان العربي الثقافي مَعلماً من معالم العواصم الغربية، كواجهات أساسية في العلاقة مع الآخر والتفاعل الثقافي والحضاري.لعلّي أنا من بين كتّاب آخرين، أحبّ الكتابة في جو المقهى الذي أرى فيه ملامح للثقافات أحياناً لتنوع اللغات واختلاف اذواق الملابس، ولكثرة أجهزة اللابتوب التي ينشغل رواده فيها مع تناول قهوتهم، لكن لتلك المقاهي أوقاتها المحددة للإقفال، فضلاً عن أمور اعتبارية أخرى. ما أجمل أن نرى رسّاماً يكمل لوحته في زاوية أو كاتباً منهمكا بين أوراقه على طاولة هنا، وقربهما مثقفون يناقشون الجزء الثاني من فيلم أفاتار. وهذه الأجواء تكون بنية أساسية لكي ينجح مشروع المطبوع الثقافي العربي أو الادبي المتخصص الذي يمكن تمويله بعدد محدود من الجنيهات بشكل ذاتي، في تجاوز لأزمة انتشار توزيع المطبوعات الورقية.هناك حقيقة لا يمكن تجاهلها، وهي أنّ مشاريع المراكز الثقافية لن يُكتب لها النجاح اذا شابتها مسحة ولو بسيطة من السياسة والتحزبات التي طمست معالم الثقافة العربية في بلداننا ويمكن أن تتسلل الى الخارج بسهولة أيضاً.باختصار، كان تمويل حفلة غنائية في أكثر من دولة خليجية في رأس السنة الجديدة كفيلاً لأن يبني أسس مشروع ثقافي يدوم عقوداً طويلة في عاصمة غربية، يحتاج العرب التجلي الثقافي والحضاري والإنساني فيها.