حرق القرآن احدى ادوات التصعيد في العراق
محمد حسن الساعدي
ما أن يذهب الوضع السياسي والامني في العراق نحو الاستقرار والهدوء، حتى تندلع مرة أخرى شرارة التصعيد، وبألوان مختلفة وأدوات ومفاعيل مختلفة تظهر بصورة سريعة ومفاجئة، لتعبر عن غاياتها وأهدافها في ضرب هذا الاستقرار. وعلى الرغم من كل الجهود التي تقوم بها حكومة محمد شياع السوداني في إثبات قدرتها على النجاح وعبور المرحلة وسط التصعيد السياسي، إلا أن هناك من يسعى الى قلب الطاولة وضرب هذا الاستقرار، ليعيد الى الاذهان صورة الاجواء في حكومتي عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي.
الصورة يبدو قاتمة لا وضوح فيها، فمسألة حرق نسخة من القرآن الكريم على يد عراقي يحمل الجنسية السويدية، والذي كان أحد العناصر التي كانت موجودة في العراق وجزء من القوى التي كانت تقاتل ضد داعش تحت مسمى اللواء السرياني، والذي كان قريباً من القيادات السياسية ليبعث بذلك رسالة أن هناك من يحرك الخيوط الداخلية وفق ما يريد ووقت ما يشاء، وهذا ما انعكس في طريقة تعاطيه وتعامله مع هذا الملف الحساس والمهم، والذي يلامس مشاعر ملياري مسلم في العالم. قطع العلاقات مع السويد وطرد السفيرة السويدية كانت قرارات قوية اتخذتها حكومة السيد محمد شياع السوداني، واستدعاء القائم بأعمالها في ستوكهولم، والذي كان قراراً صائباً يعبر عن موقف رسمي لهذا التجاوز ضد مقدسات المسلمين، بالمقابل يمثل اختباراً خطيراً لقدرة حكومة محمد شياع السوداني على الحد من تأثير مفاعيل السياسة الداخلية، والتي أخذت كثيراً بجوانب السياسة العراقية تجاه مجمل القضايا الخارجية، على حساب وأولويات السياسة الخارجية المتمثلة في متابعة العلاقة الاقليمية والدولية المتوازنة بين العراق والعالم.
مقتدى الصدر دخل على خط الازمة في محاولة لعودتهم الى الحياة السياسية، فمنذ اعتزاله الذي فرضه على نفسه عن السياسة كان الصدر ينتظر بصبر باحثاً عن فرصة لاعادة شعبيته وجمهوره الى الشارع في استعراض للقوة ضد الائتلاف الحاكم، والذي أصبح حدث حرق نسخة القرآن الكريم هو السبب، لذلك فان ردود أفعال السياسيين ومنهم الصدر لها علاقة بالسياسة الداخلية بقدر ما لها علاقة بدعم قدسية القرآن الكريم، لذلك ردت الحكومة العراقية على اقتحام اتباع الصدر للسفارة السويدية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع السويد وطرد السفيرة السويدية، ولوقف زخم الصدر وحرمانه من الحصول والوصول الى مكانة عالية في هذا الحدث حول من هو المدافع الافضل عن الدين والقرآن.
ربما مثل هذا الاجراء يهدد العلاقة مع حكومة تسمح بتدنيس القرآن الكريم، وقد يكون منحدراً زلقاً له عواقب وخيمة على العلاقات الدولية العراقية، وربما ستجد الحكومة العراقية صعوبة في التخلص منه، حيث من المحتمل أن تحدث أحداث مماثلة في وقت ما في دول اوربية اخرى ايضاً، وهذا الامر سيضع السوداني باختبار صعب في الحد من تاثير السياسة الداخلية، ولاسيما المنافسة السياسية بين السياسيين الشيعة على أولويات السياسة الخارجية، المتمثلة في متابعة العلاقات الاقليمية والدولية المتوازنة، كما ان رد الفعل العراقي يعتبر اختباراً أيضاً حول قدرة حكومته وبالتحديد القوى الامنية في الوفاء بالتزاماتها القانونية لحماية البعثات الدبلوماسية على النحو المنصوص عليه في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961.