“جيلات” الوزير
حمزة مصطفى
العراقيون أكثر شعوب العالم جلدا للوزراء ولرؤساء الوزراء ومن هم بدرجتهم لكن في غيابهم. والعراقيون أكثر شعوب العالم حرارة في إستقبال الوزراء ورؤساء الوزراء ومن هم بدرجتهم لكن في حضورهم. إن غاب الوزير أو رئيس الوزراء أو الزعيم أوتاج الرأس يشبع “مسبة” لسابع ظهر حتى لو كان أبو وعم وإبن عم الخياط اللي خيط بدلة عرس أبو زيد الهلالي. أما إذا حضر رئيس الوزراء أو الوزير أو الزعيم أو تاج الرأس الى الديوان أو مجلس العزاء أو العرس أو أية مناسبة فإنه يحار على من يلتفت.
هذا يهوس بإسمه وإسم عائلته وعشيرته ومنطقته والحي الذي يسكنه (قبل ماينتقل للخضراء طبعا) وأين كان يدرس ومن هو معلم رياضياته في الأول إبتدائي وأول عشرة من عشرة حصل عليها في درس القراءة الخلدونية (بالمناسبة بعدها لو راحت عهدي بيها قبل 60 سنة) بحيث يناله المدح والتمديح والجلخ والتجليخ. وبين هذا وذاك وبينما هو حائر مع من يلتقط سيلفي تنهال عليه العرائض والطلبات وكلها تبدأ بالتبجيل والتعظيم والتقدير له ولسابع ظهر من عشيرته بمن في ذلك إمتداداتها في الوطن العربي. وفي هذه الأثناء حيث يواجه كل هذا السيل من التقدير والتبجيل من الحاضرين فإن “الطليان” المكبوشة فداء له ترفس “كدامه”.
لا أعتقد أني تجنيت على أحد لا على الرئيس أو الوزير أو تاج الرأس ولا على الشعب الجالد للمسؤولين في غيابهم الـ “ذاب لحم” في حضورهم. كما أن الراحل علي الوردي لم يتجن هو الآخر على أحد, فقد شخص واقعا ننفرد به نحن العراقيين (خاف أحد يكلي نحن العراقيون .. لا اخوان خصوصا جماعة الفيس بوك هي العراقيين لأنها تنصب على الإختصاص). رب سائل يسال ما مناسبة هذه الجنجلوتية؟ ولماذا هذا العنوان الصادم “جيلات” الوزير؟ المناسبة هي مارافق تشكيل الحكومة الحالية من مظاهر عدها البعض (والمفردة ملتقطة من قاموس الدكتور حيدر العبادي) ظواهر غير حضارية (على أساس إحنه بالسويد), بينما عدها البعض الآخر ومنهم “الزعيم” أبو مازن في لقاء متلفز له مع الزميل مقداد الحميدان على قناة “الرشيد” بأنها “جزء من تقاليد أهلنا”.
أنا شخصيا أتفق مع الزعيم ابي مازن.
فمن هذه الناحية لم يقل الرجل الإ الحق لاسيما حين أضاف لنا من الشعر بيت بقوله ” إحنه على الربابة نضرب مشجب النوب صار عدنه وزير”. أنا لست بصدد الدفاع عن هذه الظاهرة أو شجبها. فالأمر هنا لايتصل بالدفاع عن “تقاليد أهلنا” أو شجب تصرف يمكن يزعج أهالي السويد أو فنلندا خصوصا لديهم رئيسة وزراء تطرب على “الجوبي” بنسخته الفنلندية, بينما هو عندنا لا يقدم لا ويؤخر. فنحن نرمي “الجيلات” في كثير من القضايا التافهة منها والهامة. نرمي “جيلات” عندما نقوم بـ “الدكة العشائرية”.
وسبق أن رمينا لمن لايزال يتذكر عندما فزنا بكأسس أمم آسيا ومن بعدها لم نرم ولله الحمد أية “جيلات” يذهب ضحيتها الأطفال. فإننا بعد تلك الحادثة التاريخية لم نصعد الى أي نهائي ولم نفز بأية بطولة. المهم حافظنا على “جيلاتنا” في بنادقنا أو رميناها في مناسبات مختلفة مثل عندما “رجعت ليلى لعيالها” أو عندما صعد عندنا وزراء مؤخرا فضلا عن طبعا بل هذه أم الطبابيع في النزاعات العشائرية. أعود لثنائية المدح والجلد التي تعكس نمط الشخصية العراقية الوردية (نسبة الى الراحل علي الوردي) وأعكس هذه الثنائية على تشكيل الحكومة التي تأخرت سنة كاملة بعد الانتخابات. وخلال هذه السنة ولكثرة ما أثخن مواطنونا في كل المحافظات طبقتنا السياسية بكل ما في قاموس الشتائم من مفردات بل وعبروا الى الطبقة السياسية في الصومال وفي بوركينا فاسو من منطلق أن هذه الطبقة برؤسائها ووزرائها وتيجان رؤوسها فاسدة مفسدة فإن السؤال غير الإشكالي هو لماذا إذن أطلق مواطنو بعض محافظاتنا “جيلات” لمناسبة إختيار وزراء من مناطقهم؟ لا أملك سوى جواب أبو مازن “تقاليد أهلنا”. وبهذه المناسبة السعيدة أقول لأهلنا في حال أخفق الوزير في أداء مهامه لاتشبعوه جلدا في مواقع التواصل الاجتماعي.
أتدرون لماذا؟ لأن مكاتبهم الإعلامية تحتفظ بفديويات “جيلاتكم” وهي تشق عنان السماء والف رحمة على روح .. كوفي عنان.