جواز القتال خارج الحدود
فاتح عبدالسلام
في تونس، مهد الثورات العربية في القرن الحادي والعشرين، بغض النظر عمّا لحقها من تشويه وخروقات وأخطاء و فوضى، هناك تحرك قضائي لمساءلة رئيس اكبر حزب حول “دوره” المفترض في تسفير تونسيين الى مناطق التوتر في العالم العربي ، في إشارة مؤكدة نحو العراق وسوريا. ولا يخفى على أحد النسبة الواضحة والكبيرة للتوانسة في تنظيمات قاتلت في سوريا أولاً، ثمّ في العراق على نحو تعبوي كبير فضلا عن عمليات منفردة في كلا البلدين منذ ان حدث الاحتلال الأمريكي في العر اق العام ٢٠٠٣. وفكرة المساءلة تقوم على انّ قرار ارسال التونسيين للقتال تحت أي عنوان في بلدان عربية أخرى لم يكن قرارا رسميا من اية حكومة كانت في السلطة في حينها، لكن هناك جهات متنفذة كانت تقف وراء ذلك التسفير، وفي الدعوى القضائية تحديد لاسم الجهة والأشخاص ايضاً.في العراق، جرى ارسال مقاتلين بأجور الى مناطق التوتر في اكثر من بلد عربي، وابرز الارساليات المستمرة كانت الى سوريا، وبعدها كانت اليمن ايضاً ،وبأجور أعلى من القتال في سوريا. وكان الشباب العراقي الذي يأكله العوز والمحاط بخزعبلات تاريخية مستوردة لا علاقة لها بالدولة والمدنية، يعودون جثثا في توابيت صامتة، من دون تسليط الضوء عليهم، وربما يحتسبون ضمن قوائم مؤسسة الشهداء. ويبقى السؤال قائما بشأن مسؤولية الحكومات العراقية السابقة في إجازة الارساليات القتالية الى دول أخرى، وما علاقة مجلس النواب العراقي في دوراته السابقة بمسألة اشتراك العراقيين عبر تمويل معين في القتال خارج الحدود؟ هل كانت تلك التجربة القتالية بابا يجيز تكرارها من قبل اية جماعة او فئة او مليشيا تتخذ من العراق منطلقا لها نحو دول أخرى؟هل توجد للعراق ذاكرة قانونية تحصي الاحداث وتعيد مراجعتها والمحاسبة في ضوئها ام انها أمور عبثية سائبة؟ أليس ذلك تدخلاً في شؤون داخلية لدول أخرى ام نها ارساليات خضعت لموافقات واتفاقات رسمية، لم يسمع بها أحد حتى الان؟ الا يبدو الكلام اليوم عن عدم السماح لجعل العراق منطلقا للتدخل في شؤون دول أخرى ناشزا ولا يمت للواقع بأية صلة؟ ام انّ الرسالة موجهة فقط لدولة معينة او دولتين لأسباب تخص الخلافات بينهما وارتباط ساحة العراق بنفوذها؟لا بدّ من توصيف قانوني لما كان يحدث في العراق، لكي تكون الصورة واضحة، والا فإنّ الصفحة ستظل مفتوحة، وانّ ما يحدث في تونس سيتكرر في العراق، قريباً أو بعيداً.