جهاز كشف الكذب
د. فاتح عبدالسلام
التفاصيل المُنتجة عبر ما أعلنوه من نتائج لا تعني الكثير، وربّما، لا تعني شيئاً، مادامت الكتلة الأكبر غير الراضية عن مسار العملية السياسية والتي رفضت المشاركة في الانتخابات ترى انّ الخلل اكبر بكثير من ان تصلحه الانتخابات بعد تجارب يائسة ووعود نكثَ الفائزون بها دائماً. الان، يقف العراقيون مجدداً أمام فائزين يقطعون الوعود الثقيلة التي يعني تنفيذها تنظيفاً عميقاً للخارطة السياسية، وتغيير اتجاه البوصلة من قِبلة الفساد والتبعية للأجنبي وانفلات السلاح وتبديد الثروات وتهريب العمولات للبنوك الخارجية الى اتجاه الدولة الطبيعية غير الشاذة عن مسار التاريخ كما هو الحال العراقي في خلال ثماني عشرة سنة سوداء. مثل هذه الوعود سبقَ ان قطعها مَن سبقهم ثمّ ديست بالأقدام وأكلوا وشربوا عليها المال الحرام في غرف الموائد السياسية المظلمة. العراق تجاوز منذ زمن مرحلة التمييز بين الكاذبين والصادقين، فجهاز كشف الكذب بات بايولوجياً ونفسياً مُركّباً في رأس كل عراقي طبيعي، لاسيما لدى الذين لم يتعرضوا لعمليات غسيل أدمغة بمحاليل رخيصة من دول الجوار وسواها، وهو جهاز ذاتي مدرب تلقائيا على كشف الأكاذيب فوراً. البلد اليوم بحاجة الى مَن يستطيع أن يقدم الضمانات مُسبقاً للشعب في انه سيسلك طريق بناء الدولة العادلة والنزيهة من دون عُقد تاريخية أو حزبية أو شخصية، لأنّ البلد ليس مُلكاً لمَن يدّعي امتلاكه والتصرف بمصيره ، لكنه ملك للملايين الاربعين الذين يشعرون بقوة الانتماء الى ترابه وقد وضعوا أرصدة حبهم كلها في ربوعه. لا تقل: سأفعل وسأفعل، عليك ان تحقق الفعل بما تعد فوراً، وليس هناك من متسع ليتحمل العراقيون زمناً اضافياً في قعر الجحيم الذي هم فيه الآن. النهج الجديد الذي جرى إعلانه من الفائزين، ستكون كلفة تنفيذه، فيما لو صدقوا هذه المرة، حرباً حقيقية، لا نستطيع تحديد ادواتها واشكالها اللحظة، ذلك انّ الجانب الفاسد والمهيمن طوال السنوات الأخيرة لن يستسلم بسهولة، من هنا تكون المهمة وطنية خالصة أو غير وطنية وتوافقية وتدليسية وتابعية، كما كانت من قبل، ولا خيار آخر مطلقاً.