4/3/2018 8:00:00 AM
عدد المشاهدات 76
سامي عبد الحميد
أهداني المسرحي العراقي والاكاديمي المتنور الدكتور حميد صابر الجزء الأول من كتابه المعنون (الجمهور بين المواجهة والمجابهة) تعرض فيه إلى علاقة الجمهور الأوروبي بالعمل المسرحي وكيفية التلقي وتوجهات عدد من المخرجين المشهورين نحو الجمهور وعلى وفق مبدأ المشاركة وعدم المشاركة أو الموقف السلبي والموقف الايجابي. وقد دعا معظم اولئك المخرجين الجمهور إلى مبدأ التعاطف مع شخوص المسرحية في حين دعا آخرون الجمهور إلى الوقوف في موضع الناقد لأحداث المسرحية وشخوصها وكان (بريخت) في المقدمة وقد عمل جاداً على جعل الجمهور مراقباً للأحداث ومحللاً لها ومقارناً إياها بما يحدث في الواقع خارج المسرح وباحثاً عن البديل الأفضل.
كل ذلك دفعني إلى تحليل طبيعة الجمهور الذي يرتاد المسارح والعروض المسرحية على اختلاف انواعها وتنوع الأسباب التي تدفعهم لمشاهدة تلك العروض. بالتأكيد تختلف طبيعة الجمهور واختلاف أنواعه وفقاً لمدى تقدم الفن المسرحي وعمق جذوره في هذا البلد أو ذاك. كما ويختلف مرتادو المسارح في الأسباب التي تدعوهم إلى ارتيادها، فمنهم من يذهب لتحسين ذائقته الفنية ومنهم من يذهب لشغفه بالفن المسرحي ومنهم من يذهب لغرض التسلية لا لهدف آخر، ومنهم من يذهب حتى لا يقال بأنه غير متحضر، ومنهم من يذهب لمجاراة أحد أصدقائه أو أقاربه.
وهكذا استطيع تقسيم جمهور المسرح إلى فئتين رئيسيتين، الأولى، فئة الجمهور العابر وهو الذي يبغي التسلية والترفيه وغالباً ما يشاهد عروض المسرح التجاري وعروض المسرح الكوميدي وهو جمهور واسع وكثير العدد. الثانية، الجمهور المسرحي وهو المتذوق للفن والباحث عن الجمال والقادر على تقييم العروض المسرحية من حيث جودة أشكالها أهمية موضوعاتها من الناحية الاجتماعية والسياسية.
هناك عدد من المتطلبات التي يتصف بها العرض المسرحي والتي توجّه مواقف الجمهور، ومنها المستوى الثقافي الذي يصل إليه العرض، وهل هو من الدرجة العالية أم بصيغة شعبية شائعة؟ وهل هناك فرص عديدة لارتياد المسارح، وهنا نضرب مثلاً بالخزين المسرحي (ربتوار) والمسرح الدائم كمثالين لذلك. وهل العروض المسرحية من النوادر؟ هل هناك مؤشرات دينية أو سياسية أو تعليمية تتحكم في نوعية العروض المسرحية وكمياتها؟ وما يهم الجمهور أيضاً نوعية الموضوعات التي تتطرف إليها العروض المسرحية في ظرف وزمن معين ومدى انعكاسها على الواقع. وهناك عناصر فنية تجتذب الجمهور إضافة إلى موضوعة المسرحية وفي مقدمتها الدلالات السمعية والبصرية التي يفرزها الممثلون خلال العرض والتي تشمل اللغة والصوت والحركة والمظهر الخارجي للممثلين والذي يشمل الأزياء والماكياج وتعبيرات الوجه ومدى قناعة المتفرجين بها.
من المؤثرات التي تحث الجمهور على مشاهدة بعض العروض المسرحية العلاقة مع الممثلين فالمشهورون منهم أكثر جذباً من غيرهم وخصوصاً نجوم السينما والتلفزيون. وهناك عناصر أضافية تجتذب الجمهور ومنها الاستعراضات والرقصات والأغاني والموسيقى والمناظر المختلفة العديدة والأضاءة الجذابة والمثيرة.
تتغير تجربة المتفرجين المسرحية بأستمرار وتتراوح بين السلب والإيجاب في مرحلة زمنية معينة. الأوقات المتاحة لأستجابة الجمهور لعرض مسرحي معين يكررها الممثلون والعلاقة المتداخلة بين المتفرجين وعالم المسرحية المعروضة وكلما كانت العلاقة أوثق كلما كان الأقبال على المشاهدة أوسع.