جرح مفتوح.. الموصل تعيش ذكرى الاحتلال وسط انقاض الحرب وقلة التعويضات
ليلة حالكة الظلام لا يسمع فيها إلا أزيز الرصاص، يقف الناس خارج بيوتهم مذهولين لا أحد يعرف ما ينتظره، فيما تطمئن الحكومة المحلية السكان “لا تخافوا الوضع تحت السيطرة”، منذ تلك اللحظة لم تعد نينوى كما كانت فقد غادرتها رائحة الربيع لتحل محلها رائحة الموت في حقبة حالكة الظلام لا يمكن أن يشعر بها سوى من عاشها.
كقطع الدومينو سقطت القطاعات العسكرية الواحدة تلو الأخرى، وسيطر المسلحون الذين هاجموا مراكز أمنية وحكومية في المدينة، بينها سجن بادوش، حيث قاموا بإطلاق سراح جميع المعتقلين فيه، لتنسحب بعد ذلك القوات الأمنية من الموصل لتسلم إرثاً حضارياً يعود لأكثر من 15 ألف عام وتدخل المدينة نكبة على يد داعش لاتزال تدفع ثمنها لغاية الان
وبالتزامن مع تسارع الأحداث في محافظة نينوى، أعلنت حكومة بغداد حالة الطوارئ، و دعا القائد العام للقوات المسلحة آنذاك نوري المالكي مجلس النواب إلى طلب دعم عربي ودولي لمساندة العراق فيما وصفها بالحرب على الإرهاب، فيما حمل رئيس البرلمان أسامة النجيفي القوات الأمنية في المحافظة مسؤولية ما حدث، محذراً من سقوط محافظات أخرى بيد تنظيم الدولة.
وتعد الموصل ثاني أكبر المدن العراقية بعد بغداد من حيث عدد السكان، وتكتسب أهميتها من موقعها الاستراتيجي فهي مركز محافظة نينوى وبوابة العبور إلى سوريا غرباً وإقليم كردستان شمالاً، وتضم تضم مطاراً دولياً وقواعد عسكرية وأمنية للجيش والشرطة، كما تتوسط منطقة حقول النفط المهمة في شمال العراق، فضلاً عن امتدادها على الضفة اليسرى لنهر دجلة
تلك الحقائق قد تفسر المشهد، حيث دفعت المحافظة ضريبة باهظة نتيجة الحرب، أكثر من 100 ألف وحدة سكنية تضررت، وفُقِد الآلاف من أبناءها، فيما تغض الحكومة البصر عن إحصاء أعداد من قتلوا على يد داعش أو نتيجة الحرب عليها حتى لاتكشف حجم النكبة، وتحولت حدائق البيوت والمتنزهات العامة إلى مقابر جماعية، فضلاً عن تلك المقابر التي رمى فيها التنظيم جثث من أعدمهم.
الخسائر طالت كل شيء في المدينة، فقد تم تدمير 6 مشافٍ رئيسية في المحافظة وتضررت الأخريات لتبقى الطاقة الاستيعابية اليوم لا تتجاوز ثلاثة آلاف بعد أن كانت تستوعب 7 آلاف مواطن، كما تضررت نتيجة فوضى سقوط الموصل وما تلاها من معارك قرابة الـ 2100 مدرسة بشكل جزئي و140 بشكل كامل ، وهوت ستة جسور رئيسية تم إعادة عدد منها للخدمة.
وعلى الرغم من كل الدمار الذي حل بنينوى ونزوح وتغييب اللالاف من أبناءها، لاتزال المحافظة في آخر قائمة اهتمامات الحكومة التي خصصت لها 42 مليار دينار من التعويضات بينما تسلمت محافظة الانبار وديالى اضعاف ذلك الرقم، ورغم تلك النكبة لاتزال الأطماع محدقة بالمحافظة التي يتنازع عليها الأطراف من كل جانب.
تلك الحقائق قد تفسر مع تطورات المشهد السياسي العراقي جانباً من الأحداث التي تدور في الموصل والتي بلا شك لا يمكن فصلها عن التطورات الإقليمية في المنطقة، فضلاً عن انه وبرغم كل من قتلوا وكل الدمار الذي حل بالمحافظة لم يتم محاسبة أي أحد في ملف سقوطها سوى بعض الأحكام الهزيلة التي لا تستحق أن تذكر.