جدل حول إمكانية تفكيك نظام المحاصصة بالعراق بعد حذف المذهب!
أثارت قوائم القبول في الكلية العسكرية والتي ورد فيها حقل “الانتماء المذهبي” لغطاً واسعاً في العراق، ما دفع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى التوجيه برفع الإشارة إلى المذاهب من الوثائق الرسمية بما في ذلك استمارات القبول في الكلية العسكرية.
وفي تجاوب سريع، وجه الكاظمي بـ”إلغاء التصنيف المتبع للطلبة المقبولين وفقاً لانتمائهم المذهبي، وأن يلغى هذا التصنيف أينما ورد في كل مؤسسات الدولة”، فيما وجّه أيضاً بـ”اعتماد التوزيع الجغرافي حصراً في المعلومات المسجلة عن موظفي الدولة”.
وعلى الرغم من التعاطي الإيجابي الذي قوبل به قرار الكاظمي، إلا أن مراقبين يرون أن كل تلك المحاولات لن تغير من سيطرة مفهوم المحاصصة على النظام السياسي، خصوصاً كون الإشكالية لا تقتصر على المقبولين في الكلية العسكرية، بل تتعدى ذلك إلى أعلى المناصب في الدولة بينها مناصب الرئاسات الثلاث.
عناوين تسبق الانتماء الوطني ويبدو أن المجتمع العراقي بات يستشعر خطورة ترسيخ التقسيم الطائفي على مؤسسات الدولة بشكل عام، خصوصاً بعد أن كان “إلغاء المحاصصة” أحد أبرز مطالب احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) العراقية، في حين يرى مراقبون أن ما حصل من رفض شعبي لتلك القوائم يبين أن حراك ترسيخ الطائفية السياسية لم ينجح بعد، فضلاً عن كونه ضرب لمساعي الأحزاب بالاستثمار الطائفي في الانتخابات المقبلة.
ويرى رئيس المجموعة المستقلة للأبحاث منقذ داغر، إن “إظهار القوائم يبين العلّة التي يعاني منها النظام السياسي في العراق باستخدام الطائفية كعنوان رئيس قبل الانتماء الوطني، ويدفع حتى ضباط الجيش لتقديم الولاء المذهبي على الانتماء الوطني”.
ويضيف لـ”اندبندنت عربية”، “ردة الفعل الشعبية الكبيرة مؤشر مهم على تجاوز المجتمع العراقي للطائفية السياسية بنسبة كبيرة وهي واحدة من أهم نتاجات ثورة تشرين العراقية”، مبيناً أنها “ضربت مساعي الاستثمار الطائفي من جميع الأطراف تمهيداً للانتخابات المقبلة”.
ويشير إلى أن “خطوة إلغاء حقل المذهب وَأَدَت محاولات وضع حقل المذهب في استمارة التعداد السكاني”.
ويتابع، “ما حصل يعطي مؤشراً واضحاً بأن الصراع لا يزال مستمراً ولم يحسم نحو ترسيخ الطائفية السياسية، على الرغم من العمل الحثيث لترسيخها من عام 2003 وحتى الآن”، مبيناً أن “الكاظمي الذي لا ينتمي للأحزاب الاسلامية يؤسس لخطوات باتجاه الدولة الوطنية”.
خلل في النظام السياسي وعلى الرغم من التعاطي الإيجابي مع خطوة إلغاء “الإشارة إلى المذاهب” في الدوائر الرسمية، إلا أن هذا لا يبدو كافياً مع استمرار محاولات الأطراف السياسية الحفاظ على مكتسباتها في الدولة العراقية والتي تأتي من خلال المحاصصة الطائفية والحزبية.
إلى ذلك، يشير أستاذ الإعلام في جامعة “أهل البيت” غالب الدعمي إلى سببين رئيسين وراء فرض النسب الطائفية في التعيينات الحكومية، يتعلق الأول بـ”مخاوف كتل الأقليات من استبداد الأغلبية واستئثارها بكل مؤسسات الدولة”، أما السبب الثاني فيرتبط بـ”محاولات المنظومة السياسية تغليب المحاصصة الطائفية حتى على أكثر المؤسسات حساسية لتغييب الانسجام الوطني العراقي”، مبيناً أن “هذه السلوكيات تخدم المسار الطائفي الذي تعتمد عليه غالبية الأحزاب السياسية في السباق الانتخابي”.
ويقول إن “الاشكالية في التوزيع الطائفي ليست مسؤولية المؤسسات الأمنية، بل تقع على عاتق النظام السياسي الذي تشدد كل رئاساته على مراعاة التوازن وتفرض على تلك المؤسسات تطبيق ذلك، “الاعتراض على وزارة الدفاع غير منطقي، ويفترض أن توجه الاعتراضات على النظام السياسي الذي أقر هذه الأطر الطائفية والعرقية”، مردفاً “التمايز الطائفي في وظائف الدولة كان معمولاً به حتى في النظام السابق واستمرت الدولة الحالية على تطبيقه”.وبشأن خطوة الكاظمي في أن تبتعد الأجهزة الأمنية عن الأطر الطائفية، يبين الدعمي إن “رئيس الوزراء يحاول تفكيك الأطر الطائفية للنظام السياسي ولو نسبياً، والدخول ضمن المظلة الوطنية الجامعة من خلال تهدئة التوتر الطائفي والقومي”، مشيراً إلى أن “تلك الخطوات تعد امتدادا لمسار حكومة العبادي في التعامل مع الملفات الطائفية”.تفسيرات انتقائية للدستوروتتعكز جهات سياسية رئيسية على مواد دستورية في تبرير التقاسم الطائفي داخل مؤسسات الدولة، بضمنها المادة ا التاسعة التي تشير إلى أن “القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية تتكون من مكونات الشعب العراقي، بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييزٍ أو إقصاء”، إلا أن خبراءً في القانون يؤكدون أن تفسير تلك المادة على أنها ترسخ التقاسم الطائفي خاطئ وخاضع لمزاج تلك الجهات.
ويقول الخبير القانوني علي التميمي إن “النظام السياسي فسر المادة الدستورية على نحو خاطئ، لأن تفسيرها يندرج ضمن خصوصية النظام الفيدرالي الاتحادي وتعني وجوب مراعات تمثيل المحافظات والأقاليم بالتوزيع على ألا تكون ضمن أسس طائفية أو عرقية”، داعياً إلى ضرورة “تعديل تلك المواد الدستورية ليكون عنوانها المواطنة والكفاءة بعيداً عن كونها حمالة أوجه”.ويلفت إلى أنه “على الرغم من تذرع جهات سياسية بأن التوزيع الطائفي في مؤسسات الأمن أمر دستوري، إلا أنها تغفل الفقرة (ب) من نفس المادة والتي تحظر تكوين مليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة، وهذا يعطي انطباعاً واضحاً على أن تلك الجهات تنتقي وتفسر بشكل خاطئ مواد الدستور لغايات سياسية”.
ويختم أن “وضع الطائفة كعنوان لعناصر الأجهزة الأمنية يولد شعوراً عاماً بعدم الثقة بوطنية تلك المؤسسات”، مبيناً أن “بث الأفكار الطائفية يأتي من خلال تمسك النظام السياسي بها وتأطيرها ضمن سياق قانوني وهذا خطر يهدد بنيان الدولة العراقية”.”بروباغاندا” دعائيةوفي مقابل فريق المتفائلين بخطوات الكاظمي بشأن تفكيك سيطرة المنظومات الطائفية على الدولة العراقية، يرى آخرون أن تلك الخطوات لا تعدو كونها محاولات “ترويج دعائي” لا تزيح مفهوم المحاصصة المسيطر على الدولة العراقية.في هذا السياق، يرجح الناشط حيدر المرواني أن تكون خطوة الكاظمي “مندرجة ضمن محاولات الترويج الاعلامي التي لا تحقق شيئاً، لأن الغاء خانة الطائفة من قبول الكلية العسكرية لا يعني الغاء التقاسم الطائفي والذي يصل إلى أعلى هرم السلطة في البلاد”، مبيناً أن “الكاظمي نفسه كان نتاج توافق قوى البيت الشيعي الرئيسية”.ولا يستبعد المرواني أن يكون نشر الكتاب الرسمي معد مسبقاً من قبل الكاظمي لـ”الحصول على بروباغاندا إعلامية تزيد التأييد الشعبي له”، مشيراً إلى أن “الكاظمي يستثمر تلك القضايا إعلامياً بشكل متكرر على الرغم من عدم تحقق أي نتائج على الأرض”.أما الباحث في الشأن السياسي هشام الموزاني، فيرى أن “من المستغرب اعتبار تلك الخطوة كمكسب ملموس في الصراع مع قوى المحاصصة الطائفية، لأن الاشكالية عميقة في النظام السياسي، ووجود خانة الطائفة ليس سوى انعكاس لواقع فعلي يعيشه العراق”، مشيراً إلى أن “مسارات أخرى على مستوى المجتمع والسياسية أكثر خطورة لكنها غير منظورة ولم يسلط عليها الضوء”.
ويلفت في حديث إلى أن “تمثيل المكونات في الدستور يقصد به عدم إقصاء أي مكون، وليس اعطاء صفة محاصصاتية تمكّن الأحزاب السياسية من الاستيلاء على مؤسسات الدولة”، مردفاً “لو كانت السلطة عازمة على تطبيق الدستور لقامت بحظر تكوين مليشيات خارج إطار المؤسسات الرسمية وهو أيضاً بند دستوري”.