مقالات

“ثمة ثغرات مهمة لا تزال قائمة في قدرتنا على مواجهة الأوبئة”

الكاتب : كونور بامفورد

في المملكة المتحدة، تضاعف عدد الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا المستجد الذي ظهر للمرة الأولى في العام الماضي (أو “2019- إن. سي. أو. في” 2019-nCoV كما يُعرف في الدوائر الطبية) من أربعة إلى ثمانية في 11 فبراير (شباط) الجاري، بعد تسجيل أربع حالات إضافية. وثمة صلة بين هؤلاء المرضى وبين مجموعة حالات اكتُشِفت سابقاً في فرنسا وبدا أنها التقطت العدوى في سنغافورة.

وقد أعلنت الحكومة أن الصحة العامة في المملكة المتحدة تواجه “تهديداً خطيراً ووشيكاً”، ووضعت خططاً للسماح باتخاذ إجراءات العزل الصحي القسري للحالات المشتبه فيها. في المقابل، يبقى الخطر الذي يتربص بالبلاد “متوسطاً”. في ظل عدم توفر لقاح أو أدوية ناجعة مضادة للفيروس. وبالنتيجة، تبقى التدابير الوقائية على غرار العزل والحجر الصحيين، وسائل مهمة وتشكّل في الواقع كل ما نملكه ضد فيروس “كورونا” المستجد.

وواضح أن انتشار فيروس “كورونا” المستجد (قريب لفيروس “سارس” الذي يسبب أيضاً التهاباً تنفسياً حاداً) بدأ بحالات لم تتعد أصابع اليد الواحدة، مرتبطة بسوق للحيوانات الحية في مدينة “ووهان” في وسط الصين في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي. غير أنه خلال الشهرين الأخيرين، راح ذلك الفيروس البشري يتفشى بوتيرة سريعة طاول37 ألف شخص على الأقل، ومودياً بحياة 812 ضحية، فيما ما زال أكثر من 6000 مصاب في حالة خطيرة.

وكذلك تشير تقديرات إلى أن معدل الوفيات بسبب “كورونا” يتراوح بين 1 و2 في المئة. وعلى الرغم من أن البر الصيني (مقاطعة “هوبي” على وجه الخصوص) لا يزال يتحمل العبء الرئيس لـ”كورونا”، شق الأخير طريقه إلى 24 دولة أخرى عبر شرق آسيا وأوروبا والشرق الأوسط وأميركا الشمالية.

في حين يبدو كل شخص معرضاً لخطر التقاط “2019- إن. سي. أو. في”، ثمة مجموعة واسعة من الأمراض متصلة بهذه العدوى. في الأصل، اكتُشف الفيروس بسبب مجموعة من الالتهابات القاتلة في الرئة تُسمّى “ذات الرئة”، من بين أعراضها السعال والحمى وضيق التنفس، فيما تبقى حالات كثيرة منها خفيفة الوطأة وتشبه نزلة البرد. ولما كان الارتباط بين فيروس “كورونا” المستجد وبين الرئة والجهاز التنفسي وثيقاً، فمن المحتمل أن تنتقل العدوى من طريق السعال أو العطس أو الملامسة المباشرة لإفرازات الجهاز التنفسي (المخاط تحديداً)، عِبر اتصال مباشر أو غير مباشر [مع المُصاب بالفيروس].

نظراً إلى الانتشار السريع لـ”كورونا” على الصعيد الدولي، والمجموعات المؤكدة من حالات انتقال العدوى من شخص إلى آخر، يتضح أن الفيروس يتحرك بصورة فاعلة. مبدئياً، قدر عدد من علماء الأوبئة نسبة انتشار “2019- إن. سي. أو. في” عبر احتساب معيار التكاثر الأساسي الذي يُسمى “آر. زيرو” (R0)، ويمثّل عدد الأشخاص الذين انتقل إليهم المرض من شخص مريض. ووجدوا أنه في المتوسط كل فرد مصاب يُحتمل أن ينقل العدوى إلى شخصين أو ثلاثة أشخاص آخرين (“آر. زيرو”= بين 2 و3). ولكن طبعاً في الحقيقة، يمكن أن يبقى هذا المعدل غير دقيق، بل ينطوي على تباين كبير في مدى تفشي الوباء. ويرجع ذلك إلى إمكانية عدم انتقال حالات عدوى كثيرة [من مُصابين إلى أصحاء]، في حين يتسبب آخرون يوصفون بأنهم يمثّلون وضعية “النقل الفائق للعدوى” بإصابة أعداد كبيرة من الناس.

بناء على ذلك، تركز شتى الطرق التي تهدف إلى وقف تفشي الفيروس على دفع الـ”آر. زيرو” في اتجاه الوصول إلى معدل أدنى من واحد، ويعني ذلك أنه مع مرور الوقت سيتلاشى الوباء. وعلى الرغم من ارتفاع إمكانية انتقال العدوى على الأرجح كلما كابد المصاب أعراضاً أسوأ، تشير أدلة مغايرة إلى أن “2019- إن. سي. أو. في” يمكن أن ينتشر حتى عبر حالات تكون أقل حدة وربما لا تستلزم دخول المستشفى. لذا، نظراً إلى عدم إيجاد لقاح ضد “2019- إن. سي. أو. في” حتى الآن، تعتمد فرصنا في وقف تفشي المرض على تطبيق تدابير الصحة العامة الأكثر تقليدية “ميدانياً”، على منوال عزل الحالات المؤكدة وتقديم العلاج اللازم لها، وتتبع الأشخاص المتصلين بالمرضى لأنهم معرضون ولا ريب لخطر الإصابة بالفيروس، إضافة إلى تطبيق الحجر الصحي على الحالات المشتبه فيها لمدة 14 يوماً التي تشكّل الفترة الأطول لحضانة الفيروس، بحسب خبراء.

في خضم تفشيه، لا ينفك وباء “2019- إن. سي. أو. في” يسلط الضوء على أوجه تفاوت عدة في الجاهزية والاستعداد لمواجهته، في أنحاء العالم. من ناحية، خلال أسابيع من اكتشاف الوباء، تعرّف العلماء في الصين إلى الفيروس وتشاركوا تركيبة تسلسل الجينوم الخاص به مع بقية الدول، ما سمح بتطوير مجموعة أدوات تشخيصية. وبالمثل، أتاح التواصل السريع بين الدول بشأن تطور تفشي الوباء إعلان حالة تأهب دولي، وعندما تعاظم حجم انتشار الوباء ونطاقه، اتخذت الصين إجراءات شجاعة متعلقة بالعزل/ الحجر الصحي وتوفير العلاجات.

ومن ناحية اخرى، لا تزال مآلات “2019- إن. سي. أو. في” محاطة بكثير من الجوانب المجهولة، والاحتمال الفعلي أن جهودنا المضنية كافة لن تؤدي إلا إلى إبطاء تقدم وباء محدق، وسط تزايد عدد الإصابات الدولية التي ليست على علاقة مع حالات في الصين. يصح ذلك بشكل خاص عندما نفكر في الخسائر التي يُحتمل أن تلحقها أزمة “2019- إن. سي. أو. في” بأنظمة الصحة العامة في البلدان التي تفتقر إلى الموارد في أنحاء أفريقيا وآسيا.

علاوة على ذلك، ثمة ثغرات مهمة لا تزال قائمة في قدرتنا على مواجهة الأوبئة التي تسببها فيروسات لم يحدث أن رصدها العلم سابقاً، خصوصاً غياب الأدوية العلاجية أو الوقائية المثبتة على غرار اللقاحات. وفي نهاية المطاف، ربما يشكل البحث في تلك الفيروسات وكيفية إصابة الناس بها وتسببها بالأمراض، مع ما يفضي إليه من طرائق آمنة وفاعلة لإيقاف تفشي الوباء، خطوة حاسمة في كفاحنا ضد فيروسات على شاكلة “2019- إن. سي. أو. في”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى