ثقافة الصبر
علي لفتة سعيد
هل يحتاج الصبر الى ثقافة؟ وهل انفلات الاعصاب خارج نطاق الثقافة؟.لقد جبل الانسان على أن يكون قليل الصبر، ولذا فإن المؤمن هو من كان صبره قوياً وطويلاً ومناسباً في وقته.. ولأن الصبر مناقضٌ لانفالات الأعصاب التي تعد مركز التوتّر، سواء منها العاطفي أو العقلي، فإن هذا الانفلات قد يطيح بتمركز العقل والعقلائية في ذات الانسان.. حتى أن الكثير من الناس لا يضبط إيقاع أعصابه، فيفقد صبره في دقيقةٍ واحدةٍ ثم يلاحقه الندم.. ومن هنا فإن قول الرسول الأعظم «ص»: «ليس الشديد بالصرعة انما الشديد من يملك نفسه عند الغضب».وربما يكون انفلات الاعصاب لا يرتبط بالثقافة والوعي فإن الكثير من المفكّرين وحتى العقلاء إن صحّت التسمية، تفلت أعصابه ساعة الغضب ويكون عرضةً لتهديد الهدوء وتفتيته، ومن ثم حصاد الخسارات التي تتبع هذا الانفلات.. ولكن الأهم في الموضوع يكمن في ثقافة الصبر وثقافة التمسّك بما يمكن أن تكون عليه عملية انفلات الاعصاب على أنها نتيجة حتمية أفرزتها العادات والتقاليد وطرق التربية والنشأة والثقافة المتداولة في المجتمع والروح القبلية، التي نشأ عليها الفرد والنزعة الفوقية التي يعيشها الإنسان وعوامل أخرى عديدة.. وما بين ثقافتي إمساك الأعصاب والصبر يكمن الوعي بأن الإنسان عليه ألا يكون متوتراً منزوع الحكمة خاليا من العقل ساعة الغضب، خاصة أن ما نمرّ به يحتاج الى الكثير من الحكمة والصبر أمام انفلات الأعصاب، التي قد تأتي حتى من فعلٍ لا يستحق أن تنفلت من خلاله الأعصاب، لو امتلك الفرد في لحظتها ثقافةً ووعياً كبيرين، لأن النتيجة ستكون في غير صالحه.. وهو أمرٌ يمكن لنا أن نجده في الطريق مثلاً حين يزاحم سائقٌ سائقاً آخر وحين يصطدم سابلٌ بسابلٍ آخر، أو أن يكون السؤال عن أمرٍ ما، أو حتى عند المعاملة لشراء حاجةٍ أو الدخول الى دوائر الدولة.. فإن الكثير من حالات الشجار التي تتحوّل الى الوعيد والضرب ومن ثم تتطوّر الأحداث الى نتائج غير متوقّعةٍ، قد تصل الى القتل واللجوء الى القضاء.. ومن هنا فإن الحكمة تقتضي تطبيق قول الرسول الأعظم «ص»، وما قاله أئمة أهل البيت في هذا المجال. لأن الحكمة تفترض وجود صبرٍ، والصبر يفترض وجود أعصابٍ والأعصاب تفترض وجود قدرةٍ على التحكّم في انهيارها والانهيار يفترض وجود ثقافة المواجهة مع الآخر على أن مسك الأعصاب وعدم المواجهة والإيغال في ردّ الفعل أمام الفعل المقابل الذي أثار الأعصاب من أنه ثقافةٌ وشجاعةٌ وليس جبناً كما يعتقد البعض، حين يصرّ على مقابلة السيئة بالسيئة حتى لا يعتقد الآخر إنه جبانٌ وإنه رجلٌ وإنه قادرٌ على المطاولة في المواجهة. لذا فإن الرسول الأعظم «ص» قال: «إذا غضبت فاسكت، وإذا غضبت فاسكت، وإذا غضبت فاسكت».. وتلك لعمري أكثر الثقافة انتاجاً لبناء مجتمعٍ غير متوتّرٍ ومجتمعٍ يفهم إن الانفلات لا يؤدّي الى نتيجةٍ عقلانيةٍ، بل الى نتائج قد تصل الى حصول تضحيةٍ بالدم.