ثقافة الاوهام والتناحر
ظ. نزار محمود
الثقافة مفهوم شامل لرؤية الإنسان للحياة وطرقه في التعامل معها والعيش بين ومع عناصرها من بشر وطبيعة. والإنسان الواحد هو مختلف ومتعدد في ذات الوقت بين أزمانه وجغرافية ومجتمعات تواجده. من هنا فإن الإنسان هو وليد بيئته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهو في حالة تفاعل مع معطيات تلك البيئة، تارة تدمغه بخصائصها وتارة يترك بصماته فيها. بيد أنه تسود المجتمعات البشرية ثقافات جمعية تؤثر في إنسانها وفي وعيه وسلوكه الى هذا الحد أو ذاك، وهي تبقى في واقع الأمر طاغية لفترات قد تطول أو تقصر.وعند مراجعتنا لثقافات المجتمعات التي عاشت أو تعيش تقدماً ونهضة حضارية وتمتلك من القوة الاقتصادية وأسباب القوة الأخرى، سنقف دون شك على اختلافات في تلك الثقافات السائدة في مجتمعات الضعف والخنوع والتخلف. وفي ضعفها وتخلفها تلعب ثقافات الخرافة والقناعة السلبية والاستسلام وضعف العزيمة دورها الحاسم، كما تلعب، بالمقابل، ثقافات العلم واللا قناعة بمفهومها الايجابي التحفيزي ورفض الاستسلام وركوب العزيمة.ان من لا بدرك أسباب التخلف والضعف في مجتمعه، وأسباب التقدم والقوة في المجتمعات الأخرى، يبقى بعيش في وهم، يغذيه نمط من “الثقافة” التي تديم عليه استكانته وعدم شعوره بضعفه وتضفي عليه نوعاً من السكينة المخدرة.فقد نتحدث ونتمنطق كثيراً، ونعيد اجترار معرفة عتيقة لم تعد منتجة، ونكتب، ونطبع من الكتب والأوراق ما يعجز في حملها، لكنها في حسابات التأثير والتغيير نحو الأفضل، لا تغني ولا تسمن من جوع. لا أريد بهذا أن نستنسخ ذواتنا كما جرى استنساخ النعجة “دولي” فنفقد بذلك خصوصياتنا وكبرياء دورنا الانساني! لكني وددت التنبيه الى ضرورة واهمية أن نعمل على تقدمنا وتجاوز ضعفنا.ان ثقافة ” الأوهام” المضللة وجدت في قيمنا الاجتماعية وبرامجنا التربوية والتعليمية مرتعاً لاعادة انتاج التخلف ووأد التقدم. لقد خدعتنا بآلاف الشهادات التي لا تعني شيئاً في حسابات الابداع والابتكار والتطبيق النافع وبالتالي التقدم وحرق مراحل التخلف.بيد أننا أبتلينا في العراق بثقافة أخرى أكثر خطورة وشراسة وتدميراً هي ثقافة التناحر مع الآخر من أبناء الوطن المختلف عرقياً ودينياً وطائفياً. لقد أزهقنا أرواح الآلاف وهجرنا الملايين وأهدرنا المليارات وملأنا الرؤوس بكل الغث من افكار والنفوس بأرخص العداوات. لا يحق لنا ان نلقي باللائمة إلا على أنفسنا، وتجنب تعليق الأسباب على مشاجب غيرنا من الأعداء!اننا نحن العراقيين بحاجة ماسة الى صحوة وعي وضمير ووجدان!