توقعات 2024.. فرضيات ولكن
مازن صاحب
اثارت توقعات النائب السابق السيد فائق الشيخ علي، الكثير من التساؤلات في مواقع التواصل الاجتماعي حينما حدد عام 2024 موعدا للتغيير الشامل الصارم والضارب في عراق اليوم بقوة كبيرة من الخارج، فيما اتفق معه الدكتور ليث شبر في التحليل واختلف في الاليات محددا ثلاثة مراحل تبدأ للتغيير من الداخل وفي حالة فشلها سيكون التغيير بقوة من الخارج، أي مقاربة لفهم هذه التوقعات تحتاج نموذجاً من التحليل الرباعي لتحديد نقاط القوة والضعف ومن ثم تحليل الفرص المتاحة وصولاً الى الخطوة الرابعة في تحليل المخاطر المحتملة، وهذا يحتاج في هذه المقالة المتواضعة لتقدير الموقف لاي من هذه السيناريوهات.. القول:
أولا: يتعمد اي سيناريو أولا وأخيرا على الضربة الأولى في الحرب التي تقرع طبولها عبر نماذج متعددة، هل ستكون إيرانية ام إسرائيلية، فيما تعتبر الأردن تحشد ميليشيات موالية لإيران على حدودها السورية والعراقية ومسؤوليتها عن تهريب المخدرات نوعا من الحرب المعلنة مما يوصف بالهلال الشيعي ضد المملكة الهاشمية، ستكون ابرز مسؤوليات الناتو العربي في حالة تكوينه خلال الأيام القليلة المقبلة لمواجهة هكذا ((عدوان عسكري)) ربما يحتاج للتعامل مع قواعد هذه الجماعات داخل العراق، عندها ستكون هناك مخاطر كبرى لمواجهة قوات عربية تتعامل مع السلاح المنفلت كما تعاملت مع جماعات داعش، والاختلاف في التفسير ما بين محور المقاومة، او التهديدات المسلحة الصادرة من العراق التي يرفض دستورها العدوان على أي دولة، نموذجا للتغيير الخارجي والداخلي على حد سواء.
ثانياً: ما بين هذا وذاك، يبقى التفاوض على وقع طبول الحرب سائدا مرة بمبادرة قطرية وأخرى عمانية من دون ظهور نتائج إيجابية في الملف النووي – الصاروخي الإيراني، لكن دخول لندن على خط هذه المفاوضات ربما من خلال مجلس اللوردات جعل تسريب السيد فائق الشيخ علي للتغيير ما قبل او في 2024، نقطة في رأس سطر نجاح او فشل هذه المفاوضات، فاذا نجحت فيها لندن، سيكون الانسحاب الإيراني من العراق كما انسحب شاه ايران عام 1975 بعد اتفاقية الجزائر وسيكون التغيير داخليا وفقا لتصور الدكتور ليث شبر، في حالة الفشل سيكون السيناريو الاخر بالتغيير من خلال قرار جديد لمجلس الامن الدولي او خارجه بقوة ضاربة متعددة الجنسيات اغلبها من قوات الناتو العربي في حالة نجاح اليات تكوينه وربطه بالقيادة المركزية للقوات الاميركية .
ثالثا: في تحليل الفرص المتاحة وتحليل المخاطر، يبدو هناك وعيا عراقيا لأهمية هذا التحول المتوقع واهمية أنبوب البصرة – العقبة الذي كان محور زيارة السيد عمار الحكيم الأخيرة للأردن، لكن ليس من المتوقع ان يتجانس هذا الوعي مع ما وصفه هنري كيسنجر في مقابلة مع صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية ان ما يجري في الشرق الاوسط هو مرحلة تمهيدية لحرب عالمية ثالثة بين الصين وروسيا وايران من جهة واميركا والغرب من جهة أخرى .
مخاطر انقسام المواقف العراقية بين كلا المحورين يجعل الفرصة المتاحة اليوم في حسم هذا الانقسام المرجح لأي طرف من المحورين، كل منهما يسعى لذلك والاخذ بأي الفرص المتاحة عراقيا للحسم أميركياً يمكن ان تظهر ما بعد قمة الناتو العربي المقبلة، وموقف الحكومة الجديدة منها ناهيك عن قوى الدولة العميقة لما يعرف بمحور المقاومة العراقية.
رابعاً: تحليل الفرص المتاحة لأي من نموذجي التغيير، وفقا لوجهتي نظر السيدين الشيخ علي وشبر، تؤكد ان هذا المتغير الدولي يؤثر على صناعة السياسات الإقليمية كلياً، من وجهة نظري المتواضعة، مخاطر أي من القرارين مقابل فرضيات الفرص الممكنة، يمكن على حسم النزاع عراقيا لصالح طرف ضد اخر، فحتى مع صمت مرجعيات مجتمعية ودينية مفترض عما يمكن ان يكون، الا ان تجديد استخدام فتوى الجهاد الكفائي تبقى حالة قائمة في حالة انتقال النزاع المسلح على الأرض العراقية ما بين قوى تناصر المحور الأميركي – الإسرائيلي، مقابل قرارات عراقية تستجيب لمواقف دولية أميركية – اوروبية، هذا يرجح فرصة التغيير الكلي من الخارج، الذي ربما يكون مرحبا به من عدة اطراف عراقية، لكن يبقى السؤال عن الاليات، وتحليل فرصها مقابل مخاطر مواجهة ثل هذه الرغبة الاميركية – الأوربية بنماذج جديدة من التعامل مع القوات “الضاربة” لاسيما مع المحور المؤيد لولاية الفقيه الإيراني، ناهيك عن إمكانية استخدام موسكو وبكين حق النقض في مجلس الامن الدولي .
في ضوء كل ما تقدم، يطرح السؤال لتقدير الموقف عن مدى صحة أي من التوقعات المطروحة لموعد 2024 ما بين الصحة والخطأ، يبدو من الممكن القول: أولاً: ما زال في القوس منزع للتفاوض على الملف النووي – الصاروخي الإيراني، وهناك اعتماد إيراني واضح على شبكة من الميليشيات في أكثر من دولة تقوم بأعمال الحرب بالوكالة او على الأقل المناوشات بنموذج حرب العصابات، الامر الذي تريد واشنطن والاتحاد الأوروبي رؤية عراق بلا ميليشيات وهذا الامر بحد ذاته أكبر تحد يواجه تحديداً مثل هذا الموعد، وتبقى العقلية الإيرانية أكثر شطارة من أي عقلية عربية لتجاوز الخطوط الحمراء والدخول في حرب مباشرة مع الناتو العربي او حتى مع إسرائيل.
ثانياً: ما زالت خارطة خطوط انابيب الغاز والنفط المتجه من العراق ودول الخليج العربي نحو العقبة وموانئ شرق المتوسط لمواجهة احتمالات مفتوحة لإغلاق مضيق هرمز، ما زالت مجرد خارطة بلا مشاريع على الأرض، بل حتى مشاريع الغاز شرق المتوسط مازالت خارج سياقات الربط الفعلي مع قبرص ومنها باتجاه اليونان بموافقة تركية أيضا ما زالت خرائط بلا تنفيذ، ويأتي القرار الروسي بإيقاف خط نوردستورم -2 الناقل للغاز الى دول الاتحاد الأوروبي نموذجا للضغط مما يمكن ان يؤدي الى استعجال ربط مشاريع غاز شرق المتوسط مع دول الاتحاد الأوربي، وهذا يترك فرصا للجنرال “زمن” للقتال وممارسة الضغوط المتبادلة في الحرب الأوكرانية – الروسية.
ثالثاً: نقاط القوة والضعف المطروحة بالتغيير من الداخل او قوة ضاربة من الخارج، شخصيا لا اعتقد ان حالة الانتقال من سيناريوهات تطرح في مراكز الدراسات الى صناعة قرار داخل البيت الأبيض او مجلس الامن القومي الاميركي قد حددت مثل هذا الموعد، حيث يمكن توصيف زيارة السيناتور ليندسي غراهام الأخيرة للعراق بكونها خطوة باتجاه هذا التحول وهذا بحد ذاته ليس نقطة قوة حاسمة حينما شدد السيناتور على محاربة الفساد في العراق وفسر كلامه – كما يبدو – بانه يمثل استهدافا واضحا للمحور المؤيد للنفوذ الإيراني، لاسيما اشارته الى دعمه للأولويات الستراتيجية الأميركية في العراق متمثلة في تعزيز الاستقرار والنمو الاقتصادي، وتعزيز الديمقراطية والحكم، وضمان الأمن والسيادة، مجددا الالتزام تجاه العراق باعتباره أحد أهم الشركاء الستراتيجيين للولايات المتحدة في المنطقة، وسلط الضوء على أهمية تعزيز الديمقراطية في العراق. كل ذلك يؤكد وجود مؤشرات ومدركات لصحة التغيير المفترض عراقيا او بقرار اميركي – إسرائيلي، لكن المجازفة بدخول قوة خارجية ضاربة للعراق سيحدد في ضوء أفعال إدارة الازمة الدولية في سياق متغيرات نتائج الحرب الروسية – الأوكرانية وليس توقعات كل من السيدين فائق علي او شبر، والسؤال كيف تتعامل الحكومة العراقية المقبلة مع كل هذه المتغيرات؟ سؤال يتطلب إدراكاً ستراتيجياً متجدداً ما زال مفقوداً في التفكير السياسي الجمعي العراقي.. ويبقى من القول لله في خلقه شؤون.