تنميط التفكير والإحساس والسلوك
د. نزار محمود
منذ عقود من الزمن وبسبب التطورات العلمية والتقنية والاقتصادية الجارفة تنهار صلابة الحدود الثقافية لكثير من الشعوب لصالح “تسونامي” ثقافات الشعوب والأمم الغالبة. لم تعد تلك الحدود بالقادرة على مجابهة موجات الافكار والانماط الجديدة للحياة ولم يعد بالممكن فحص اوراق السفر والسماح بدخولها وبالتالي لم يعد ختم مستندات المرور ذو معنى. فثقافات الشعوب الغالية تهاجمك براً وجواً وبحراً ومن الفضاء البعيد ومن العالمين القائم والافتراضي، في الحلم واليقظة! ملايين ومليارات المواقع والصفحات على شبكات التواصل وأطنان من المعلومات الرقمية والضوئية تدخل اعمق الاعماق دون استئذان أحياناً كثيرة أو سيطرة، حيث لا يبقى سوى وعي الانسان وقدرته على تشذيبها وتهذيبها واستقبالها وتوديعها وحتى رفضها ولكن بأدب عصري!وفي خضم هذه الحال يجري طرح تساؤلات وجودية كثيرة حول الهويات الثقافية والخصوصيات الحياتية والحضارية للشعوب والأمم المرتبطة بكينونتها وتاريخها وحتى كرامتها الإنسانية.منذ ان أسس المهاجرون المغامرون الاوروبيون الولايات المتحدة الامريكية وما انحدر اليها لاحقاً من اقوام شتى بكل خصوصياتهم التي انصهرت في مجتمع هجين تحكم اتجاهات تطوره كذلك صفات شرائح مؤسسيه المتفوقة والغالبة من رؤى وأخلاقيات وعقائد، والعالم يتأثر بهذه الدرجة وتلك، منذ هذا الحين وذاك بانماط الحياة الامريكية التي جاء انهيار المنظومة الاشتراكية ليعزز هيمنتها في اطار عولمتها ونظامها العالمي الجديد. بيد ان الحكاية لم تنته بعد، وأن هناك من اللاعبين لم يشهروا انهزامهم ولم تصدر شهادات وفاة عدد غير قليل من ثقافات مختلفة رغم ما لحق ويلحق بها من تأثرات بالثقافة الامريكية ومعززاتنا الاوروبية.ان تاثيرات هذه الثقافة “ التسونامية” تنسحب الى مجالات اربع:مجال انماط التواصل في مادته وأدواته ووسائله من شبكات معلومات وافلام وغيرها.مجال صيغ التفكير واهتماماته.مجال الاحساس بمؤثرات الحياة وجمالياتها.مجال السلوك والمواقف تجاه احداث الحياة وعيشها.اننا نعيش اليوم كمجتمعات وشعوب وأمم أمام تحد وجودي في ثقافاتنا وهوياتنا ودورنا الانساني وخصوصياته، لا يصح معه الانغلاق التام متجهة، ولا الانفتاح السلبي من جهة أخرى. فالحياة البشرية لم تكن لتتطور دون تلاقح وتثاري.إنها مهام ومسؤوليات مفكرينا ومثقفينا ومؤسساتنا الثقافية والسياسية.