تناقضات الانتخابات والسفينة المثقوبة
د. فاتح عبدالسلام
هناك تناقضات في تصريحات السياسيين ومفوضية الانتخابات ومن حولهم بشأن النتائج فيما تستمر فعاليات مسيسة في محاولة تعطيل الشارع العراقي واثارة الانتباه الى مسألة منتهية، ولن يحدث فيها تغيير جوهري مهما كانت قوة الاعتراضات وأساليب الخاسرين. العراق بلد أزمات داخلية متراكمة واغلبها مزمن ويزداد تعقيداً مع مضي الزمن، وهناك أزمات لا تزال تحت الطاولة، ربما لم يحن أوانها، تخص السلم الاجتماعي والانفتاح السياسي العام ومشاكل الفاسدين الكبار وسواها. امام هذا المشهد العراقي، نرى أنّ المعترضين على النتائج لانتخابات لم تنل الاجماع البسيط من العراقيين، اذ لم تتجاوز نسبة المشاركة الواحد والأربعين في المائة، يزيدون من عزلتهم بدل تحقيق الاندماج من خلال مسارات سياسية أخرى في العراق. ولا أدرى لماذا يفترض المعترضون انّ الفائز بأعلى الأصوات وهو التيار الصدري سوف يبقى على طول الخط ملتزما بعدم التصعيد في الشارع، في حال وجد التيار انّ حصته النيابية التي أعلنت على نحو اولي تتآكل وربما مهددة بالنزول. سيكون هناك اتجاهان وقوتان في الشارع عندئذ، وتلك بداية الانهيار الواضح للسلم الاجتماعي الذي هو أهم ما يمكن أن يتمسك به العراقيون، فلا الانتخابات ولا الأحزاب ولا حتى الحكومة تعني شيئاً مُهمّاً يمكن مقارنته بالسلم الاجتماعي في بلد لا زال واقفاً على كف عفريت. جولات التفاوض ستطول، ولا بدَّ لمَن يمسك بمفاتيح تحريك اتباعه في الشارع أن يدركوا أنَّ النتائج لن تتغير، وان الانتخابات لن يعاد اجراؤها فهي مبكرة أصلاً ولن يقضي البلد عمر نصف جيل من اجلها، كما ان الغاء العد الالكتروني الذي دفعت موازنة الدولة مئات ملايين الدولارات في سبيله لا يمكن الغاؤه. والأهم من ذلك كله انَّ عليهم إدراك انهم يسعون بثقب السفينة التي يبحرون جميعهم فيها ولا بديل لديهم عنها، غير ان الشعب صانع البدائل، ولن يتأسف او يذرف دمعة واحدة اذا غرقت السفينة، حيث لا تزال الأمواج المتلاطمة تضرب بالشعب منذ سنوات بعيدة وهم كانوا في امان في المرفأ الآمن في المنطقة الخضراء، وان انقلاب المعادلات ليس أمرا مستحيلاً في بلد المفاجآت.