تمويل الإعلام .. (درس في اخلاقيات العمل الاعلامي)
هادي حسن عليوي
يشكل التمويل العصب الفقري في العملية الاعلامية… بالرغم كثرة وسائل الاعلام العراقية بعد العام 2003 .ـ وتلقي عدد كبير من الصحفيين والإعلاميين العراقيين دورات صحفية ومهنية عديدة على ايدي الاعلاميين العراقيين والأجانب العاملين في المنظمات الصحفية العالمية.ـ إلا ان الاعلام العراقي اخذ يتراجع خلال السنوات الاخيرة في احترامه والتزامه بالمعايير الصحفية العالمية بسبب الحجم المتزايد للتمويل المالي السياسي والخارجي غير المعروف. ـ فإشكالية تمويل وسائل الإعلام المختلفة.. تنطلق من عدم قدرة هذه الوسائل على إيجاد طرق تمويل جيدة ومشروعة.. تمكنها من تغطية نفقاتها أو جزءا مهما منها.. وهي إشكالية تضعها أمام تحد مهم يتمثل بعدم مقدرتها على اتخاذ قرارات إعلامية مستقلة. ـ تمكنها من طرح نفسها على أنها منابر متنافسة على مستوى عال من: المهنية والموضوعية.. ومن ثم فإنها يمكن ان تكون مجرد أصوات مرددة لصدى ما يقول الممولون وتوجهاتهم .ـ كما ان الجهات المجهولة والأطراف السياسية الممولة لوسائل الاعلام.. اخذت تنتهج أساليب عديدة للترويج لأفكارها من خلال التدليس والانحياز والدفع بايدلوجيا معينة. ـ مما يدفع المتلقين الى البحث عن وسيلة اعلامية تتمتع باستقلالية في نشر المعلومات والأخبار.ـ أن بعض القنوات الفضائية العراقية مدعومة من دول خليجية أو اقليمية.. وأخرى من رجال أعمال صنعتهم دول اقليمية.ـ الأخطر من ذلك (هناك 10 فضائيات عراقية ممولة من اسرائيل كما يقول د . هاشم حسن عميد كلية الاعلام في بغداد سابقاً). ـ كل هؤلاء الممولون يحاولون السيطرة على العملية السياسية لتحقيق اغراضهم غير المشروعة.منصات عديدة بنت شراكات مع جهات صحفية حول العالم ساعدتها في تطوير محتواها أو تأمين محتوى مجاني، في وقت بدت فيه المنظمات العالمية المعنية بدعم الإعلام وتمويل مشاريعه بابًا آمنًا لتلك المنصات، بحيث يحفظ لها هامشًا واسعًا من الاستقلالية، ويساعدها في طرح قضايا بدت الشوارع “الثائرة” أكثر انفتاحًا على نقاشها. تشترك معظم المنظمات الدولية التي تدعم المنصات الإعلامية في التأكيد على مبدأي “الديمقراطية” و”الشفافية المالية”. وقد ساهم ذلك في تكريس ثقافة جديدة لدى المنصات الإعلامية الحديثة، لم تكن سائدة وفق ديناميات التمويل السياسي والتبرعات التقليدية. ومع أن التمويل في ذاته ليس جريمة، ولا يوجد في القانون ما يمنعه، فإن خروجه عن القنوات التقليدية التي يمكن للسلطة السيطرة عليها، أدخله في شق مؤامراتي وسلسلة اتهامات عززتها لدى المتلقي العادي كلُّ المخاوف المتراكمة لديه من “الأجندات الخارجية” والدور السلبي الذي لعبته حكومات أجنبية في مسار التغيير الذي شهدته بلدان عربية عدة.لكن، بعيدًا عن الشق المؤامراتي المُكرّر في النقاش حول التمويل الأجنبي، ثمة شقٌّ آخر على جانب من الأهمية قد يكون أشد تأثيرًا من فرض المموّل الأجنبي لأجندته ومن إشكالية “استقلال الصحافة”، وهو المرتبط “بحدود العمل الصحفي” أو الطرق التي تقارب بها المؤسسات الصحفية عملها وتنتقي وفقها زوايا اهتماماتها.ـ أن الغموض في مصادر التمويل المالي في الإعلام العراقي اليوم يتنافى مع استقلالية العمل الصحفي.. ويقلل من فرص النجاح الإعلامي.ـ وتضعنا أمام تحد أخلاقي خطر يتمثل ببيع ذمم الكثير من تلك الوسائل.. وسكوتها عن فضح ممارسات فساد الحكومة.. وأخطائها.. أو العكس التضخيم في الهفوات والأخطاء.ـ وترويج افكار معادية للمواطن والوطن.. وللفكر المتطرف المعادي لأبسط القيم الاخلاقية والدينية.ـ ان عدم وجود قانون في العراق ينظم تمويل وسائل الاعلام بشفافية عالية.. يلزم من يرغب بافتتاح مؤسسة اعلامية أيا كان نوعها بتقديم كشف مالي لأرصدة المؤسسة قبل افتتاحها.ـ دون المساس بحرية الاعلام وحجم التمويل والجهات الداعمة بشكل دوري.. سيكون رادعا لشراء ذمم المؤسسات الاعلامية والضغط عليها ماليا لفرض توجهات سياسية معينة.التحديات التي تواجه الصحفيذكر الباحث أن صناعة الأخبار في الوقت الراهن أصبحت في حالة من عدم اليقين والاضطراب التي لم يسبق لها مثيل. وفي حين أن توزيع الصحف في بعض البلدان الأوروبية في انخفاض منذ عام 1950, حيث يعتمد المستهلكون بشكل متزايد على التليفزيون، إلا أن ارتفاع عائدات الإعلانات في هذه الفترة سمح لوسائل الإعلام المطبوعة بمواصلة ازدهارها. ولكن مع صعود الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي في السنوات الخمسة عشر الماضية تغيرت الصورة, فمنذ عام 2000 تراجعت عائدات الإعلانات الصحفية في أوروبا، وتحول المُعلنون إلى وسائل الإعلام الجديدة.من ناحية أخرى, لاتزال عائدات الإعلانات مهمة في آسيا, على الرغم أنه من المرجح أن يتجه المعلنون إلى محاكاة الاتجاهات في أوروبا والولايات المتحدة مع زيادة استخدام الإنترنت.وتشير الدراسة إلى أن التحدي الذي يواجه وسائل الإعلام ليس فقط المتعلق بالعائدات, ولكن أيضاً ذات الصلة بتهديد دور وكالات الأنباء المتحكمة في الوصول إلى المعلومات. فبينما تقرر وسائل الإعلام التقليدية ما يستحق النشر, فإن وسائل الإعلام الاجتماعية تُمكن المستهلكين الآن من تحديد الأخبار, ومن ثم فهي بسماحها للمستهلكين بتصنيف رغباتهم على هذا النحو قد تؤدي إلى الاضطرابات في صناعة الأخبار.هل تغيرت أنماط استهلاك الأخبار؟تذكر الدراسة أن المستهلكين في الماضي كانوا يحجمون عن الدفع للحصول على الأخبار وحدها, وقد تعاملت الصحف تقليدياً مع هذا التحدي من خلال استكمال الأخبار بالتغطية الرياضية وغيرها. ويقارن الباحث بين استهلاك الأخبار الرقمية الآن وأنماط الاستهلاك السابقة؛ ففي الجريدة كان المستهلكون المهتمون بالرياضة يتحولون إلى الصفحات الخلفية من جريدتهم حيث صفحات الرياضة, أما الآن فهم يصلون إلى أقسامهم المفضلة على شبكة الإنترنت, وربما يُعد الفارق بينهما – وفقاً لهذا المثال – هو أن مشجعي الرياضة الذين لديهم اهتمام أقل بالشؤون الجارية يتجاوزون الأخبار بسهولة على الإنترنت.ويذكر الباحث فروقاً أخرى في هذا الصدد، يتمثل إحداها في أن قارئ الصحيفة الورقية كان يعرف كم من الوقت سيستغرق في قراءتها لأن لها بداية ونهاية, أما الإنترنت فلا نهاية له, ويمكن للقارئ أن يبقى عليه لدقائق أو ساعات, فكمية المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت غير محدودة.وثمة فارق آخر يكمن في أن الصحف المطبوعة مازالت تجمع محتواها من مختلف التوجهات السياسية, على عكس الإنترنت الذي لديه القدرة على استهداف أخبار تتبنى وجهات نظر محددة، أي بشكل أكثر تحيزاً. وبالنظر إلى العديد من مصادر التوتر السياسي وعدم الاستقرار في آسيا مثلاً, فإن هذه التطورات من الممكن أن تفاقم الصراعات وتعيق حل القضايا الشائكة.تعزيز الاستفادة من التكنولوجيا الرقميةيتوقع الباحث استمرار الانخفاض في توزيع الصحف الورقية, حيث يربط هذا التوجه بانخفاض إيرادات الإعلانات الذي يحدث بالفعل في أوروبا؛ فقد انخفضت عائدات الإعلانات في الصحف الفرنسية بنحو 35% بين عامي 2008 و2014, كما انخفضت عائدات الإعلانات في المملكة المتحدة إلى النصف تقريباً خلال نفس الفترة. أما في الأسواق الآسيوية الناشئة – مثل الهند والصين – تنمو عائدات الصحف, ومع ذلك يتوقع أن تنخفض إيرادات الإعلانات خلال العقد المقبل في آسيا.وإذا كانت الصحف من القطاعات الأولى التي أدركت إمكانات الإعلام الرقمي, وأصبح لكثير منها الآن وجود على شبكة الإنترنت, فإنها بحاجة إلى الاستفادة من الأفكار والنماذج التجارية التي تطرحها شركات التكنولوجيا, فهذه الشركات أفضل كثيراً في مجالات التوزيع الرقمي.لذلك، يؤكد الباحث على حاجة الصحف إلى أن تكون أكثر ابتكاراً، وأن تُجرب عدداً من المناهج الجديدة. وبالفعل فقد تبنى عدد من الصحف ما يسمى باستراتيجيات “الرقمنة أولاً”digital first والتي تنطوي على التركيز على ما هو رقمي بدلاً من المطبوع, وهدفها الرئيسي من وراء ذلك هو البقاء على رأس الأخبار العاجلة على شبكات التواصل الاجتماعي، وتعظيم إقبال المُشاهد عليها.ويذكر الباحث أن المستهلكين يصلون للأخبار بطرق متنوعة في البلدان المختلفة, فعلى سبيل المثال في بريطانيا وإسبانيا يكون ذلك عن طريق العلامات التجارية المعروفة, أما في ألمانيا وإيطاليا فيتم الوصول للأخبار من خلال محركات البحث التي تُعتبر المصدر الرئيسي للأخبار بهذه البلدان. وتعكس هذه الاتجاهات المتباينة وجود اختلافات ثقافية, وبالتالي فالحلول ستكون خاصة بكل بلد على حدة.وتؤكد الدراسة على أن المستقبل سيكون للتكنولوجيا للرقمية، وبالتالى يتعين على الصحف التكيف مع المنتجات الرقمية؛ ففكرة المحتوى الإعلامي آخذة في التغير، حيث كان المحتوى في الماضي يتعلق بالأخبار فقط, ولكنه يشمل الآن (الإعلانات, والمواد التسويقية, والألعاب أو أي شيء يُنظر إليه على أنه جذاب للمستهلك). لذلك، وفي سبيل تحقيق الاستفادة الكاملة من “الرقمنة”، يجب على وكالات الأنباء أن تستخدم التكنولوجيا على نحو أكثر فعالية.مناهج جديدة للصحافةيتساءل الباحث عن مصادر تمويل الصحف في حالة تآكل مصادر دخلها التقليدية, خصوصاً أن إيرادات كل من الإعلام الرقمي والمطبوع تبدو الآن أقل من الإيرادات المتحققة في عصر ما قبل الإنترنت. كما أن النماذج الجديدة التي بدأت تظهر مثل “صحافة المواطن” والصحافة التي تمولها المؤسسات, بعضها يعمل، والآخر عُرضة للفشل.وتشير الدراسة إلى أن المحتوى الذي يعتمد على “إسهامات المواطن” ليس بالأمر الجديد على الصحافة التي تستعين في بعض تقاريرها بشهود العيان للتأكد من تفاصيل الأحداث, إلا أن عصر الإنترنت يتطلب ممارسات جديدة، لاسيما عندما تكون هذه المصادر غير أولية. وقد لعبت “صحافة المواطن” دوراً هاماً في ثورات الربيع العربى على سبيل المثال, ولكن مصداقية الأخبار بها تكون غير مؤكدة في كثير من الأحيان، حيث تفتقر إلى المهنية، وربما تخدم أجندات حزبية أو شخصية.وثمة مسألة أخرى ذات صلة بتبادل الأخبار في العالم الرقمي, وتتمثل في تحدي أنظمة حقوق النشر المعمول بها؛ فقد يقوم الناشرون على شبكة الإنترنت بالاستخدام الكلي أو الجزئي لمحتوى من مواقع إخبارية أخرى, في حين أن قوانين حقوق النشر الوطنية قد لا تكون فعَّالة فيما يتعلق بالإنترنت.كما يتطرق الكاتب إلى انتشار الصحافة التي تمولها المؤسسات، لاسيما في قضايا بعينها مثل الرعاية الصحية أو البيئة. ومع ذلك، فإنها تواجه بعض التحديات التي تتمثل في أن مؤسسات التمويل ليست دائماً محايدة, وربما تسعى إلى التأثير على محتوى الأخبار التي تمولها.إمكانية التعاون بين المؤسسات الإعلامية في آسيا وأوروبايذكر الباحث أن الثورة الرقمية أجبرت بعض المؤسسات الإعلامية على إعادة تقييم علاقاتها مع المنافسين, حيث ظهر بعض التعاون في تبادل المحتوى. وفي هذا الصدد، يطرح الكاتب فكرة إمكانية تعزيز التعاون بين المؤسسات الإعلامية الآسيوية والأوروبية؛ فالمنظمات الأوروبية لديها التكنولوجيا ولكنها تحتاج للنمو. ويوجد في آسيا أسواق كبيرة، فالصين على سبيل المثال بها 800 مليون مستخدم للإنترنت، ولكن هذه الأسواق تفتقر إلى التكنولوجيا.علاوة على ذلك, وبينما يفتقر الرأي العام الأوروبي إلي الوعي بالقضايا الآسيوية, فإن القوة الاقتصادية المتنامية للبلدان الآسيوية تشير إلى أن الطلب الأوروبي على تغطية الأخبار الآسيوية من الممكن أن يتزايد. وتتوقع الدراسة حدوث تعاون مستقبلي في مجال تبادل الأخبار على المستوى الرسمي أو غير الرسمي، خصوصاً فيما يتعلق بالأخبار العالمية.ويختتم الباحث دراسته بالتأكيد على أن التوقعات المتشائمة حول مستقبل الصحف الورقية لاتزال بعيدة عن الحدوث، وذلك مع الأخذ في الاعتبار التحديات التي يفرضها العصر الرقمي.