تقرير بريطاني يتتبع رحلة الصيد “المشؤومة” للعقيد ياسر الجوراني: قصته تختزل مِحنة سنة العراق
تتبع تقرير صحفي بريطاني، اليوم السبت، تفاصيل رحلة الصيد التي خرج إليها مدير جوازات الأعظمية، العقيد ياسر الجوراني، في حوض حمرين في محافظة ديالى الشهر الماضي ليختطفه تنظيم “داعش” رفقة أصدقاء له، وينحره لاحقاً.ويقول موقع “بي بي سي” في تقريره، واطلعت عليه (الاولى نيوز): “لعل ياسر الجوراني لم يفكر في أي شكوك أمنية وهو يتعقب الصيد الثمين في منطقة حوض حمرين، فالشاب، في بداية الأربعينيات، عقيد في الشرطة العراقية، وكان يشغل منصب مدير إحدى دوائر الجوازات العراقية في بغداد.وقد أرسله ولعه بصيد طيور الدراجي إلى أماكن مختلفة، ومنها حوض حمرين، الذي اعتاد الذهاب إليه في الآونة الأخيرة. هذه المرة، وفي 14 كانون الأول 2021 كان الوضع مختلفا، إغراء الصيد، لم يدعه يأبه بالشروط التي فرضها في المنطقة مسلحو تنظيم “داعش” أو من تبقى منهم منذ هزيمة التنظيم في الموصل عام 2017.وينقل الموقع عن مصدر محلي قوله، إن عناصر “داعش” يشترطون الصيد أيام الخميس والجمعة فقط “فهؤلاء بدوءا بفرض سطوتهم في مناطق مختلفة من محافظة ديالى، شمال غربي العاصمة بغداد، ولا سيما في المناطق الوعرة ذات التضاريس الصعبة، التي تحول دون الوصول إليهم”.ياسر، غير المعتاد على أخذ الاجازات وفقا لعائلته، خرج للصيد يوم السبت، وبينما كان العالم يحتفل بالسنة الميلادية الجديدة، كان ذوو ياسر يشاهدون صورا بثها التنظيم المسلح لما وصفوه بعملية “نحر مدير جوازات الأعظمية العقيد ياسر الجوراني”.عائلة ياسر مكثت 16 يوما منذ اختطافه بانتظار اتصال يطالبهم ولو بفدية، لكن يبدوا أن عناصر “داعش” كانوا عازمين على إعدامه، ولا سيما أنه ضابط في الداخلية العراقية.لقد كانت عملية مدبرة، تعبر عن عودة نشاط المسلحين في تلك المنطقة.ويرى معدو التقرير لموقع “بي بي سي”، أن “حكاية الجوراني تختزل ما مرت به المجتمعات السنية في تلك المناطق من العراق، من تحولات منذ انهيار النظام السابق عام 2003، وتـظهر، في الوقت ذاته، الأهمية المتعاظمة لمنطقة ديالى” لدى عناصر التنظيمات المتطرفة.وينقل التقرير عن مصادر أمنية، قولها إن قاتل الجوراني ينتمي إلى عشيرة معروفة تسكن في ناحية جلولاء شمالي قضاء المقدادية، بينما قالت مصادر مقربة من عائلة الضابط إن المشتركين في عملية قتله هم 10 أشخاص ينتمون لـ3 عشائر.وللعشائر تلك وجود وامتداد في محافظة ديالى، وهي تنقسم في موقفها من “داعش”، خاصة وأنهم عانوا من التطرف، فمنهم من شارك في قتال التنظيمات المتشددة ومنهم من أيدها “اقتناعاً أو خوفاً”، كما يورد “بي بي سي”.ويشير الموقع البريطاني إلى أن الجوراني وعائلته شاركوا في قتال تنظيم القاعدة إبان الحرب الطائفية في العراق، وبعد أن هجّرت “القاعدة” عائلته لقي حتفه على يد “داعش”، وريث التنظيم الأول.يقول أحد أصدقائه، إن المسلحين المتطرفين “استهدفوا ياسر وأفراد عائلته من العسكريين أكثر من مرة”.”إرث الزرقاوي”لطالما ركز عناصر التنظيمات المتطرفة في أدبياتهم في العراق على ضرورة إخضاع العشائر السنية أو اختراقها، وهو ما زال مستمراً مع “داعش” في ديالى، وهو آخر ما تبقى لهم من إرث الزرقاوي، كما يقول الموقع.وفي 2010، أصدر التنظيم كتيباً إرشادياً لاستراتجيته في “التمكين” وتأسيس “الدولة الإسلامية” وفق تفسيراتهم، وكان أحد العناوين الرئيسة داخل ذلك الكتيب هو “رصاصة للمحتل وتسع رصاصات للمرتد”، قاصدين بهذا المجتمعات السنية ممن شاركوا في الحرب ضدهم.أبو مصعب الزرقاوي، واسمه الحقيقي أحمد فضيل نزال الخلايلة، أردني تزعم تنظيم القاعدة في العراق وكان مسؤولا عن قتل كثير من المدنيين والقوات الأمريكية والعراقية على حد سواء، أبدى أولوية لديالى، حتى أنه قتل في غارة أمريكية عام 2006 في هبهب، داخل محافظة ديالى، المدينة المنسية التي بالكاد سمع بها أحد قبل مقتل الزرقاوي.وكانت مخابرات دول حليفة تؤكد، على أن الزرقاوي يوجد في المحافظة، حسبما كشف الصحافي الأمريكي جوبي وراك، الذي ألف كتابا عن تنظيم “داعش” مستندا على وثائق وتسريبات من المخابرات الأردنية.وينقل “بي بي سي” عن مصدر أمني محلي قوله، إن “الفراغ الأمني الممتد ما بين حدود سيطرة الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان العراق تعد جاذبة لنشاطات المسلحين، مما يتيح لهم التحرك بسهولة في مجموعات صغيرة في تلال حمرين، ويساعدهم في فرض أجنداتهم على السكان المحليين، ومنها فرض ساعات الصيد”.ويضيف المصدر الأمني أن “مسلحي (داعش) يفرضون إتاوات على المزارع المحيطة بهم، إذا لم يتم الدفع يقومون، أما بحرق المحاصيل أو قتل أصحاب تلك المزارع”.وبحكم انتشار البساتين والمياه في تلك المنطقة، فإن ذلك أيضا يزيد من أهمية المنطقة استراتيجيا لدى عناصر التنظيم، لتوفير الغذاء، والماء، والمخبأ.وفقاً للمصدر، ساعد الفراغ الأمني عناصر “داعش” على تأسيس معسكر تدريبي يقع في المنطقة المحصورة ما بين شمال بحيرة حمرين غرب ناحية السعدية وجلولاء، شمال شرقي المقدادية، ويبعد عن بعقوبة مركز محافظة ديالى نحو 80 كم”.ويعلل المصدر سبب اختيار هذا المكان، إلى “عدم وجود مراكز للقرى قريبة منه، ويقع ضمن المناطق الفراغ الأمني، بالإضافة إلى حرية الحركة شمالا، كون المعسكر يربط شمال المقدادية وبعقوبة والخالص، وصولا إلى ناحية العـظيم 60 كم شمالي غرب ديالى”.ويذكر أن معسكرات التدريب ساهمت في تجنيد الكثير من العناصر للتنظيمات المتطرفة في أفغانستان والعراق وسوريا، واليمن منذ ثمانينيات القرن الماضي.وكان الناطق باسم تنظيم “داعش”، أبو محمد العدناني وقبل تحرير الموصل بعام، وقبل مقتله بغارة أميركية بثلاثة أشهر في آب 2016، إن هزيمة التنظيم في الموصل لا تعني نهايته، مشيرا إلى أنهم سينحازون إلى الجبال والكهوف، حتى ولو كانت اعدادهم صغيرة، كما حدث مع تنظيم القاعدة حين هزم على مجالس الصحوات السنية المتحالف مع الاميركيين بعد عام 2008.إعادة المفارز الأمنية إلى الواجهة مرة أخرى مكنها من استهداف عدد من النقاط الأمنية الموجودة في ناحية العظيم، أو على الطريق الرابط ما بين محافظتي ديالى وكركوك.وتنوعت تلك الهجمات ما بين استهداف مباشر لنقاط أمنية سواء تابعة للجيش العراقي والشرطة وكذلك الحشد الشعبي والحشد العشائري.لعل آخرها كان استهداف سرية تابعة للجيش العراقي في ناحية العظيم شمال غربي ديالى، والتي راح ضحيتها 11 عسكريا بينهم ضابط.ويقول علاء النشوع المحلل الاستراتيجي أن عدد الهجمات وصلت إلى “2000 عملية منذ العام 2019 ولغاية عام 2020، أغلب تلك العمليات تركزت في محافظتي ديالى وصلاح الدين القريبة منها”.ويتابع، أن “الفكر السياسي العراقي ما بعد عام 2003 بني ما في داخله على فكر إرهابي لأنه رفض وجود الرأي الآخر، ومن يتحكم في ديالى هم أشخاص محسوبين على التيارات السياسية، وهؤلاء يحاولون تغير المنطقة ديمغرافيا، ويحاولون اثبات أن هذه المحافظة تختلف في مكونها عن المكون الآخر، أقصد السني عن الشيعي، رغم علمهم جيدا أن الغالبية العظمى فيها من السنة”.ويرى النشوع، أن “سبب التطرف هو غياب الخطاب الوطني وسيطرة الخطاب الديني في العراق، لأن الخطاب الديني متطرف، سواء السني او الشيعي”.