تقرير أمريكي: الصين تتوسع في العراق والنفط ليس هو الهدف
كثفت الصين مساعيها للاستحواذ على مشاريع استراتيجية في العراق خلال الأعوام القليلة الماضية، سواء المتعلقة بقطاع الطاقة أو البنى التحتية، وصولا إلى مشاريع الإسكان وغيرها.
مساع، يعتبرها مراقبون، بمثابة خطوات تمهيدية تستهدف من خلالها تعزيز نفوذها السياسية والاقتصادي في هذا البلد، بما يمكنها من بلوغ هدفها الرئيسي المتمثل ببعث الحياة في مشروع “الحزام والطريق”.
الثلاثاء الماضي، أعلنت وزارة النفط العراقية أن شركة سينوبك الصينية فازت بصفقة لتطوير حقل المنصورية العراقي للغاز قرب الحدود الإيرانية.
وقبل ذلك تحدثت تقارير عن عزم شركات صينية شراء حصة شركة إكسون موبيل النفطية في حقل غرب القرنة العملاق في البصرة.
وتشمل مبادرة “الحزام والطريق”، التي أعلنتها الصين قبل سنوات، مشاريع عالمية ضخمة تتجسد في موانئ وسكك حديد ومجمعات صناعية، تمتد في أنحاء آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا. وتقول بكين إنها ستستثمر فيها ترليونات الدولارات لربط الصين بأوروبا عبر أقصر الطرق.
ويعد العراق، بحكم موقعه الجغرافي، إحدى أهم الحلقات غير المكتملة بعد في هذا المشروع الحيوي بالنسبة للصين، على اعتبار أن الفترة الزمنية لوصول البضائع الصينية إلى أوروبا ستقل بمقدار النصف تقريبا فيما لم تم شمول العراق بالمشروع.
ووفقا للنائب السابق والسياسي المستقل عن محافظة البصرة وائل عبد اللطيف فإن “الصين تعتقد أن العراق هو المكان الإستراتيجي الذي يمكن أن يساهم في إنجاح مشروعها الطموح المتعلق بطريق الحرير”.
يقول عبد اللطيف بحسب موقع “الحرة” إن “ميناء الفاو هو أحد ركائز هذا المشروع كما تعتقد الصين، التي حاولت بشتى الوسائل الاستحواذ على مشاريع تطويره، لأنه يعني أنها ستمتلك خطوط النقل البرية التي تربط المنطقة بسوريا وتركيا ومن ثم أوروبا”.
في النهاية لم تتمكن الصين من الوصول لميناء الفاو، بعد أن قررت الحكومة العراقية منح المشروع لشركة دايو الكورية الجنوبية، التي كانت قد بدأت في وقت سابق بأعمال التطوير.
ويرى المحلل الاقتصادي عامر الجواهري في حديث لموقع “الحرة” أن “تزايد نفوذ الصين من عدمه يعتمد بالشكل الأساسي على صانع القرار في العراق”.
ويضيف أن صانع القرار هو الوحيد الذي يمكنه تحديد ذلك النفوذ، من خلال التوصل إلى اتفاقات تعطي مصالح البلاد الأولوية”.
ويرى عبد اللطيف أن عدم إسناد مشروع ميناء الفاو إلى الصين كان ضربة “قوية” لمساعيها ولمساعي القوى السياسية العراقية المقربة من إيران، التي كانت تحاول كسب ود بكين وطهران من خلال مشروع ميناء الفاو.
لكن مع ذلك، يبدو أن لدى الصين خططا بديلة لتعزيز حضورها بشكل تدريجي في العراق، كما فعلت مع دول أخرى مثل باكستان ودول إفريقية عديدة.
الخطة تتمثل في كسب ود الشعوب، وفقا لعبد اللطيف من خلال البدء بمشاريع الطاقة والنفط والغاز، ومشاريع خدمية أخرى، كي يتسنى لها “التوغل في مجالات أخرى”.
يؤكد السياسي العراقي المستقل أن “الصين رسخت وجودها في العراق عبر مشاريع في القطاع النفطي، كما أنها تحاول تحويل قضاء الفاو المطل على الخليج إلى منطقة صناعية كبرى ترتبط من خلالها مع دول العالم”.
ويرى عبد اللطيف أن النفط بحد ذاته ليس هو هدف بكين، وإنما “لدى الصين طموحا أكبر من النفط، على الرغم من أنه ثروة هامة جدا، لكن المشاريع المقررة في العراق أكبر بكثير على اعتبار أنه يتوقع للنفط أن ينضب خلال السنوات المقبلة”.
ويواصل عبد اللطيف أن “الصين لن تترك العراق، لأنها كانت تمتلك فيه موطئ قدم قبل عام 2003، من خلال مشاريع نفطية وسط البلاد، ولديها حاليا عدة مشاريع منجزة في العراق، كما أنها حصلت على مشاريع جديدة وتطمح للمزيد”.
وفي ديسمبر الماضي ذكرت تقارير أن العراق يستعد لتوقيع صفقة بمليارات الدولارات مع شركة تشنخوا أويل الصينية، ستحصل بمقتضاها بغداد على أموال نقدية تساعدها في ضائقتها المالية مقابل إمدادات نفطية طويلة الأجل.
وقالت وكالة “بلومبرغ” في حينه إن الصفقة هي أحدث مثال على إقراض الصين، من خلال شركات تجارية وبنوك تسيطر عليها الدولة، منتجي النفط المتعثرين مثل أنغولا وفنزويلا والإكوادور، مقابل السداد ببراميل نفطية.
وقبل ذلك حاولت الصين في عام 2019 تفعيل مذكرة تفاهم وقعت مع الحكومة العراقية في عام 2015، في إطار ما عرف في حينه بـ”الاتفاقية الاقتصادية”، لكن الخطوة قوبلت بجدل وتحذيرات واسعة من قبل خبراء ومراقبين من أن الصفقة يمكن أن تؤدي إلى رهن نفط البلاد وتعرض مستقبله الاقتصادي للخطر.
المحلل الاقتصادي عامر الجواهري يرى، أنه ليس من المعيب أن ينفتح العراق على الصين أو الولايات المتحدة أو كوريا الجنوبية وفرنسا واليابان وألمانيا والخليج وحتى إيران، لكن بشرط أن يكون المعيار الأساس في ذلك هو المصلحة العليا للعراق”.
وكانت حكومة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي أعلنت في الـ25 من سبتمبر 2019 توقيع ثماني اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مجالات البنى التحتية والاتصالات والصناعة والأمن والطاقة.
وجاء الإعلان بعد زيارة وفد حكومي عراقي ضخم للصين ترأسه عبد المهدي إلى جانب وزراء ومحافظين ومسؤولين آخرين.
لكن جدلا واسعا أثير حول هذه الاتفاقية نتيجة للغموض الذي شابها وعدم إعلان الحكومة العراقية لبنودها أو تفاصيل المشاريع التي تعتزم الشركات الصينية القيام بها في العراق.
وازدات الشكوك حول هذه الاتفاقية نتيجة قيام قوى عراقية مقربة من إيران بحملات على وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية التابعة لها، للترويج لأهمية الاتفاقية مع الصين والآثار الإيجابية “الجبارة” التي يمكن تنعكس على العراق في حال مضى قدما في تنفيذها.
وتحدث هؤلاء في حينه عن مشاريع ضخمة تصل قيمتها لنحو 500 مليار تتضمن مشاريع بناء ملايين الوحدات السكنية والمدارس والمستشفيات والطرق السريعة والمصانع الاستراتيجية وغيرها مقابل تصدير 100 ألف برميل من نفط العراق يوميا إلى الصين ولمدة 20 عاما.
وفي ذلك العام أيضا أعلن رئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبد المهدي من بكين أن بلاده ستنضم إلى مشروع الصين الضخم للبنية التحتية المعروف بمبادرة “الحزام والطريق”.
وواجه مشروع “الحزام والطريق” الصيني انتقادات عدة لمراكمته ديونا على الدول الفقيرة بينما يثير قلق واشنطن التي ترى فيه محاولة من الصين لتوسيع رقعة نفوذها.
وإلى جانب الولايات المتحدة، أعربت والهند واليابان وأستراليا ومعظم دول غرب أوروبا عن تشكيكها في الخطة.
وفي فبراير الماضي اقترح الرئيس الأميركي جو بايدن أن تطلق الدول “الديموقراطية” مبادرة منافسة لمشروع “الحزام والطريق” الصيني للاستثمار في البنى التحتية، وذلك في توقيت تتصاعد فيه التوترات بين العملاق الآسيوي والدول الغربية.
ويرى معارضو الخطة التي أطلقت منذ ست سنوات أن هدفها زيادة نفوذ بكين عالميا عبر صفقات غامضة داعمة لشركات الصينية بينما ستثقل كاهل الدول المعنية بالديون والأضرار البيئية.