تعرف على مناطق نفوذ الكتل الرئيسة بالانتخابات العراقية
أيام معدودة تلك التي تفصل العراقيين عن موعد الاستحقاق الانتخابي الذي جاء مبكرا قبل موعده بأشهر نتيجة الاحتجاجات الشعبية التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2019 وأدت لاستقالة حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي.
ومع كم التغييرات التي شهدها الوضع العراقي سياسيا واقتصاديا ودخول العديد من الأحزاب التي تأسست بعيد المظاهرات يبدو أن استقراء الوضع الانتخابي والخارطة السياسية المقبلة يشوبهما الكثير من التعقيد، مع اعتماد قانون انتخابي جديد وسعي كل الأطراف لحجز مقاعدها في البرلمان (329 مقعدا) وضمان نفوذ قوي فيه لأجل تشكيل الحكومة المقبلة.
كانت انتخابات عام 2018 التشريعية بالعراق هي الأولى عقب الحرب التي شهدها ضد تنظيم داعش الذي اكتسح في صيف عام 2014 مساحات واسعة من المحافظات العراقية الشمالية والغربية.
أفرزت الانتخابات الماضية فوز الكتل السياسية السنية بـ71 مقعدا (نواب من السنة) موزعة على تحالفات النصر والوطنية والقرار وتحالف بغداد ونينوى هويتنا وائتلاف الجماهير وصلاح الدين هويتنا وديالى التحدي وبيارق الخير وتمدن، إضافة إلى “عابرون”.
بالمقابل، أفرزت انتخابات 2018 فوز الكتل السياسية الشيعية مجتمعة بـ177 (نواب شيعة) من مختلف القوائم التي كان أساسها تحالفات “سائرون” والنصر والفتح ودولة القانون والحكمة وإرادة وكفاءات والحزب المدني ورجال العراق والحزب الشيوعي.
أما تحالف القوى الكردية فحصل على 58 مقعدا توزعت بين كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني والاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية والتغيير والحراك الجديد، فضلا عن التحالف من أجل الديمقراطية.
وتوزعت المقاعد المتبقية بين التركمان بـ4 مقاعد وبقية المكونات والأقليات العرقية والقومية في البلاد.
تشكيل الحكومة
ينص الدستور العراقي على أن الكتلة الكبرى التي تتكون عقب الانتخابات هي من تشكل الحكومة العراقية، مما يتطلب حصولها على 165 مقعدا، وهو ما لم تفلح فيه أي كتلة أو حزب سياسي في تحقيقه منذ عام 2005، فاضطرت لإعلان تحالفات لتشكيل الحكومة.
يذكر أن الحكومات العراقية المشكلة عقب 2003 لم تواجه أي كتل برلمانية قوية في المعارضة، وهو ما اصطلح عليه عراقيا بـ”حكومات التوافق الوطني”.
الخارطة المرتقبة
يضمن الدستور العراقي المقر عام 2005 حصة النساء في البرلمان بما نسبته 25%، وهو ما يعني أن عدد المقاعد البرلمانية للرجال لا يتجاوز 246 مقابل 83 مقعدا للنساء بما مجموعه 329 مقعدا في البرلمان العراقي، من بينها 9 مقاعد مخصصة للأقليات.
ورغم أن الدورات البرلمانية الأربع السابقة اعتمدت على الدوائر الانتخابية لكل محافظة فإن قانون الانتخابات الجديد المقر العام الماضي جاء متعدد الدوائر في كل محافظة، ليقسم العراق إلى 83 دائرة انتخابية مقسمة وفق التعداد السكاني للمحافظات.
بدوره، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل محمود عزو إن العراق لا يزال يعتمد المعادلة ذاتها في الحصول على مقاعد برلمانية من خلال الاستقطابات التي اعتمدت مناطقيا وطائفيا، مما يعني التحالفات المبنية على المذهب رغم وجود بعض التكتلات العابرة لها.
وبتابع عزو في حديثه للجزيرة نت أن مناطق النفوذ لا تزال تعتمد على الهوية وفي جميع المحافظات العراقية، إلا أن هناك إشارات واضحة على أن الكتل السياسية متفقة على عدم التدخل في ما بينها قبيل الانتخابات، مما يعني أن الكتل المتنافسة قد تتحالف مستقبلا دون الولوج لمسألة الهوية المعتمدة في التحالفات السابقة للانتخابات، بحسبه.
ويتوقع عزو أن الكتلة الكبرى ستشهد بطبيعة الحال تحالفات للقوى السياسية الشيعية، مما سيضمن لها منصب رئيس الوزراء، وهو ما سيحدث في منصبي رئيس الجمهورية الذي سيذهب للكرد، ورئاسة البرلمان التي ستكون من نصيب السنة.
أما عن مناطق النفوذ للكتل ذاتها فيعلق عزو بأن التيار الصدري يعول في الانتخابات على أرياف المدن في بغداد كمدينتي الصدر والشعلة، إضافة إلى محافظات ميسان (جنوب شرق) وجزء من البصرة والنجف ومقاعد متفرقة في بقية المحافظات.
أما عن تحالف الفتح فيرى أن لديه نفوذا في مختلف مناطق الوسط والجنوب العراقي، على اعتبار أن الأحزاب المنضوية ضمن التحالف لديها خطابات متعددة، ولكل منها جمهوره.
في حين أن تحالف تقدم الوطني بزعامة رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي لديه نفوذ داخل المدن الشمالية في محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار وجزء من ديالى وكركوك وبغداد، لافتا إلى أن هذا التحالف لديه منافس آخر يتمثل بتحالف عزم الذي يتزعمه السياسي السني خميس الخنجر، بحسبه.
وعن النفوذ الكردي، يوضح عزو أن الكتل الكردية تتنافس في مدن إقليم كردستان، إضافة إلى بعض المناطق المتنازع عليها مع الحكومة الاتحادية في محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك وديالى.
خارطة معقدة
من جهته، يؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة جيهان بأربيل مهند الجنابي أن هذه الانتخابات تعد مغايرة لجميع الدورات السابقة، موضحا أن لإقليم كردستان 12 دائرة انتخابية في محافظات أربيل ودهوك والسليمانية، في حين أن الحكومة الاتحادية تحظى بـ71 دائرة في المحافظات الـ15 الأخرى.
ويعلق الجنابي بأنه بناء على معطيات الانتخابات السابقة، وتوزيع نفوذ الكتل السياسية التقليدية الشيعية والسنية والكردية فإن 40 من مجموع 71 دائرة انتخابية اتحادية ستكون محسومة للقوى التقليدية.
ويضيف أن لكل كتلة سياسية دوائر محسومة النتائج وفق التأييد والولاء، لافتا إلى أن التيار الصدري يمتلك ماكينة انتخابية وصفها بـ”المحترفة”، إضافة إلى أن تحالف الفتح لديه نفوذ كبير في دوائر أخرى، مؤكدا على أن هذه التقسيمات قد لا تؤدي بطبيعة الحال إلى حصول هذه الكتل على مقاعد الانتخابات السابقة ذاتها.
أما عن بقية التحالفات فيرى الجنابي أن ائتلاف قوى الدولة -التي تضم النصر بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي وتحالف الحكمة بزعامة عمار الحكيم- قد يكون الثالث في الترتيب، فيما سيتضرر ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، على اعتبار أن جمهور الأخير موزع في دوائر عديدة، بحسبه.
أما عن “تحالف تقدم” فيرى أن نفوذه في بغداد والأنبار وأقل من ذلك في نينوى وصلاح الدين، فيما يحظى تحالف عزم بنفوذ أكبر في نينوى وكركوك وصلاح الدين، مؤكدا أن هناك توجها لدى الكثير من الكتل لمعادلة مبادلة الأصوات بين الدوائر وفق التأييد الشعبي، بمعنى انتخاب مرشح لحزب في دائرة معينة مقابل انتخاب مرشح الطرف الآخر في دائرة أخرى، بحسب الجنابي.
عزوف انتخابي
كثيرة هي الجهود التي تبذلها الحكومة العراقية ومفوضية الانتخابات في حث الناس على المشاركة في الانتخابات بعد أن كشفت الانتخابات السابقة عن نسبة مشاركة رسمية لا تتجاوز 44%.
وفي هذا الشأن، يعتقد رئيس مجموعة المورد للدراسات والإعلام نجم القصاب أن جميع المؤشرات والاستطلاعات تشير إلى أن أغلبية الذين رشحوا من قوى احتجاجات تشرين لن يتمكنوا من الوصول إلى قبة البرلمان.
وعزا القصاب هذا الاستقراء إلى انخفاض الرغبة الشعبية في المشاركة بالانتخابات القادمة، لافتا إلى أن ذلك سيرتد عكسيا على الكتل السياسية التقليدية التي ستستفيد من المقاطعة وتصويت جماهيرها لها.
ويرى القصاب في حديثه للجزيرة نت أنه نتيجة لذلك فإن الحكومة القادمة ستتشكل من الكتل السياسية التقليدية ذاتها، دون أن تكون هناك كتل سياسية مؤثرة في المعارضة، وهو ما جرت عليه العادة في الدورات البرلمانية السابقة، بحسبه.
على الجانب الآخر، يرى أستاذ العلاقات السياسة في جامعة بيان علي أغوان أن مناطق نفوذ الكتل السياسية الكردية واضحة في مناطق إقليم كردستان، حيث إن للحزب الديمقراطي الكردستاني نفوذا في محافظتي دهوك وأربيل، فيما يحظى الاتحاد الوطني الكردستاني بمناطق السليمانية وحلبجة وجزء من كركوك، لافتا إلى أن حركة التغيير تنافس الاتحاد بقوة في كركوك.
أما عن الأحزاب السنية فيؤكد أن تحالفي تقدم برئاسة الحلبوسي والعزم برئاسة الخنجر يعدان أقوى المنافسين في المحافظات الشمالية والغربية، معلقا “رغم أن هذين التحالفين يشهدان منافسة شرسة فإن المعطيات تشير إلى احتمالية كبيرة في تحالفهما مستقبلا”.
وبالذهاب إلى الأحزاب التقليدية الشيعية، يرى أغوان أن هذه الأحزاب لديها نفوذ في جميع المحافظات العراقية باستثناء إقليم كردستان، وأن هذه الكتل استطاعت إيجاد نفوذ محدود لها في محافظتي نينوى وصلاح الدين من خلال ترشيح شخصيات سنية ضمن هذه التحالفات الشيعية، بحسبه.
وعن التيار الصدري، يؤكد أغوان أن لديه نفوذا في بغداد والناصرية والبصرة، وهو حال بقية الأحزاب كتيار الحكمة وحزب الدعوة الإسلامية، مما يعني أن التنافس في الانتخابات المقبلة سيكون كبيرا على مستوى الأحزاب التقليدية في مناطقها.
وعن نسبة التغيير التي قد تحصل في البرلمان المقبل، يعتقد أغوان أن 90% من الأحزاب التقليدية ستعود للبرلمان لكن قد يكون ذلك بشخصيات أخرى، مقابل حصول قوى احتجاجات تشرين على نسبة 10-15% من مقاعد البرلمان بأفضل الأحوال.
صعوبات كبيرة تعترض قراءة الخارطة السياسية المقبلة في العراق، فمع قانون الانتخابات الجديد وإصرار الحكومة العراقية على نزاهة الانتخابات يترقب العراقيون ما ستؤول إليه النتائج التي سيتضح معها مستقبل البلاد سياسيا واقتصاديا.