تضرر الدول الفقيره بسبب وباء كورونا والمطالبات بتقليص الديون
تعيد أزمة فيروس كورونا المستجد إحياء المخاوف المتعلقة بتخلف الدول الناشئة عن السداد، ما أثار دعوات موجهة إلى الدائنين لتمديد مواعيد الاستحقاق أو حتى إلغاء جزء من الديون.
وحثت ما يقرب من 140 جماعة ضغط ومنظمة خيرية صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومجموعة العشرين والدائنين من القطاع الخاص، اليوم الثلاثاء، على مساعدة الدول الأشد فقرا التي تمر بأزمة جراء انتشار فيروس كورونا المستجد من خلال إعفائها من مدفوعات ديون، وفقا لرويترز.
لبنان فريسة الصناديق وسط توقعات بقرب إعلان الإفلاس
الأرجنتين والديون.. رحلة السداد الشاقة تقلع قريبا
وقبل الوباء كانت عدد من الدول الناشئة منهكة جدا اقتصاديا، مثل لبنان الذي أعلن تخلفه عن السداد في التاسع من مارس/آذار الماضي، أو الأرجنتين التي أجلت الثلاثاء دفع ما يقرب من 10 مليارات دولار من الديون إلى العام المقبل.
وتأتي الدعوات بقيادة حملة اليوبيل لتخفيف أعباء الدين، ومقرها بريطانيا، قبل يوم من اجتماع مقرر لمجموعة عمل مكلفة من مجموعة العشرين بالاستجابة لمواجهة الدول النامية جائحة كورونا.
وبشكل منفصل، حث كين أوفوري-عطا وزير مالية غانا، الذي يرأس لجنة التنمية التي تقدم المشورة للبنك الدولي وصندوق النقد، الصين بشكل خاص بصفتها أكبر مقرض لأفريقيا على القيام بالمزيد لتخفيف عبء الديون.
– 25 مليار دولار التخفيف المقترح
ودعت حملة اليوبيل للإلغاء الفوري لأقساط ومستحقات الديون على 69 دولة فقيرة حتى نهاية العام، بما يشمل الاستحقاقات لجهات مقرضة خاصة، وقدرت أن ذلك سيخفف أعباء تصل إلى 25 مليار دولار عن تلك الدول أو 50 مليار دولار إذا مُددت للعام المقبل.
كما دعت لأن يكون أي تمويل إضافي أو تخفيف لأعباء الديون دون شروط مثل فرض إجراءات تقشف وأن تقر مجموعة العشرين قواعد طارئة تمنع مقاضاة مقرضي القطاع الخاص للدول الفقيرة.
وقالت مديرة حملة اليوبيل سارة-جين كليفتون: “الدول النامية تمر بصدمة اقتصادية غير مسبوقة وفي ذات الوقت تواجه حالة طوارئ صحية عاجلة”.
وتضغط بالفعل حكومات ومؤسسات كبرى من أجل تطبيق بعض الإجراءات التي تدعو لها تلك الجماعات.
وعبرت حكومات أفريقية في الآونة الأخيرة عن بواعث قلق من أن الإجراءات التي جرى طرحها حتى الآن لن تكون كافية.
وشمل بيان حملة تخفيف الديون الذي وقعت عليه جماعات مثل أوكسفام وأنقذوا الأطفال الدعوة لآلية عبر الأمم المتحدة، لإعادة هيكلة الديون السيادية بشكل منهجي وقابل للتطبيق.
وأكد كبير اقتصاديي شركة “كوفاس” للتأمين الائتماني جوليان مارسيلي لوكالة فرانس برس “حتى قبل وصول فيروس كورونا، لاحظنا وجود مستويات من الديون تقارب أعلى المستويات التاريخية في جميع المناطق الناشئة تقريبا”.
– أفريقيا
في أفريقيا، عادت مستويات الديون إلى نسب “مماثلة” لتلك التي كانت موجودة قبل عملية الإلغاء الواسعة للديون في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، في حين أن معدلات ديون أمريكا اللاتينية “اقتربت من مستويات الثمانينات” التي شهدت أولى الأزمات المتتالية واستدعت تدخل صندوق النقد الدولي في المنطقة، بحسب مارسيلي.
وأوضح المسؤول عن البحث الاقتصادي في مصرف “ساكسو بنك” كريستوفر ديمبيك أن الدول الناشئة عالقة بين الحاجة إلى زيادة الإنفاق العام لمواجهة الأزمة الصحية والحاجة إلى تلبية استحقاقات ديونها، مشيرا إلى أنها تثير حاليا “عدم ثقة السوق”.
وأضاف “يتوقع المستثمرون الآن أن يكون تأثير فيروس كورونا المستجد على النمو أكبر بكثير في البلدان الناشئة من البلدان المتطورة”.
وأثر التوقف المفاجئ للاقتصاد العالمي بشدة على عائدات البلدان الناشئة، ما تسبب في انخفاض أسعار النفط والمواد الخام والنشاط السياحي.
– جنوب أفريقيا الضعيفة
وتواجه البلدان الناشئة والأقل نموا تسربا كبيرا في رؤوس الأموال ليقوم المستثمرون بحفظها في أسواق أقل تقلبا.
وقال مارسيلي: “خلال شهر مارس/آذار الماضي كان هناك هروب لرؤوس أموال من الدول الناشئة تجاوز أربعة أضعاف المبلغ الذي سجل بين عامي 2008 و2009. إن ذلك هائل”، مشيرا إلى عدد من الدول التي قد تجد نفسها مخنوقة إذا لم يتم اتخاذ تدابير.
وأضاف “ستجد العديد من البلدان الأفريقية نفسها في وضع صعب مثل أنجولا أو زامبيا”. وكذلك الأمر بالنسبة لمناطق أخرى كالإكوادور التي تتبع برنامجا مع صندوق النقد الدولي، أو حتى سريلانكا أو تونس أو سلطنة عمان أو البحرين.
ووفقا لرؤية الخبير الاقتصادي فإن هذه الأزمة قد تؤثر على الاقتصادات الناشئة الكبيرة وتدفعها للجوء إلى صندوق النقد الدولي.
ويشير مارسيلي إلى أن “أسوأ وضع يكمن في جنوب أفريقيا التي تجمع بين الهشاشة الخارجية والمالية العامة” بعد أن قامت وكالتا “موديز” و”فيتش” بتخفيض تصنيف البلاد.
ولمواجهة هذا الوضع، كانت فرنسا من أوائل الدول التي طالبت مجموعة العشرين بتجميد الديون أو حتى إلغائها.
وطلب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يوم الأربعاء من دائني الدول الأشدّ فقرا “تجميد تسديد الديون” كي تتمكن هذه الدول من استخدام ما لديها من أموال لمكافحة فيروس كورونا المستجد.
واعتبرت مئات المنظمات والمنظمات غير الحكومية، بينها “أوكسفام” ومنظمة “أنقذوا الأطفال” (سيف ذي تشيلدرن) ذلك غير كاف وطالبت صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اليوم الثلاثاء، “بإلغاء سداد ودفع الفوائد لما تبقى من عام 2020 للدول الأكثر احتياجا فورا”.
ويقول ديمبيك: “اليوم هناك حالة إدراك أنه من مصلحة الجميع تجنب الإفلاس قدر الإمكان، سواء للجهات الخاصة أو العامة”.
ومن أجل إعادة عجلة الاقتصاد العالمي للدوران بأسرع ما يمكن “لا يمكن السماح بأن تتحول الأزمة الصحية إلى أزمة في البلدان الناشئة”.
وتعهد وزراء مالية وحكام المصارف المركزية في دول مجموعة العشرين الأسبوع الماضي باتخاذ تدابير لدعم الاقتصاد العالمي ومعالجة مخاطر مواطن الضعف في الدين العام للدول ذات الدخل المنخفض وتقديم مساعدة مالية “لدعم الأسواق الناشئة والبلدان النامية”.