تدوير نفاياتنا..ونفاياتهممار
فاتح عبد السلام
أبرز نتائج الإضرابات الشديدة في أوربا، هو الضغوط النفسية والبيئية والاقتصادية والجمالية والسياحية التي تتركها أكوام النفايات حين تتكدس على مدى أسبوع من أي اضراب. في باريس منذ أسابيع عديدة يتظاهر الفرنسيون، ودخلوا اضراباً نوعياً فاحت فيه روائح الأوساخ المرمية في الشوارع على شكل تلال متناثرة صغيرة وغطت نتانتها على سمعة عاصمة الروائح الراقية التي تنتجها فرنسا منذ مئات السنين وتغزو بها العالم. في النهاية، باتت النفايات سلاحاً متاحاً بيد الناس المتعبين، وهو نتيجة عرضية للإضراب الرافض رفع سن التقاعد من 62 عاماً الى 64 عاماً، وهو مشروع قانون تكاد تفرضه حكومة ماكرون فرضاً بغض النظر عن رأي الجمعية الوطنية، وقد تحوّل الأمر لدى ماكرون الى تحد عالي المستوى لا تراجع عنه، وقد يستخدم صلاحياته الرئاسية في جعل القانون واقعاً مهما كلف الأمر
. مثيل هذا القانون نفسه مرّ في بريطانيا قبل عشر سنوات من دون ان تحصل ضجة كبيرة بالرغم من انه كان أقسى، إذ رفع سن التقاعد الى الخامسة والستين.الانسان في هذا العالم الثقيل بالضغوط والأزمات والغلاء وشبح الحروب، لم يبق أمامه سوى أن يحلم في نيل تقاعد مُجزٍ عن سنوات خدمته من أجل ان يرتاح ولو وهمياً في ظل استمرار الازمات ذاتها، لكنه يبقى حقاً دستورياً يريد المواطنون التمتع به مهما كانت امتيازاته متآكلة. في بيروت، قبل سنوات حدث اضراب أيضاً حول النفايات أكداساً عالية في كل مكان لعدة شهور. في دولنا العربية لا توجد معامل تدوير النفايات حفاظا على البيئة، ربما لأنّ الناس لا تجد حرجاً في رمي النفايات في أي مكان من دون التفكير بعواقب خطورة ذلك. وربّما لأنّ ثقافة التدوير لم تتطور الى المستوى الحضاري اللائق، ولاتزال في حدود مستوى تدوير النفايات السياسية، الأشد خطورةً، ليس على صحة الانسان وحسب، وانّما على مستقبل جيل وثروات وطن وطموحات شعب يريد النزوع نحو الحرية والابداع لكنه يجد نفسه وقد جثم على صدره طغاة من ذوي الدرجات العليا في نقاوة الطغيان، أو طغاة يرتدون أثواب الديمقراطية الفاضحة التي لا تستر عوراتهم.حين يدوّرون نفاياتهم في اوربا ينتجون طاقة تشغّل مصانعهم وتقوي اقتصادهم. أما تدوير نفاياتنا السياسية حصراً فتكريس للوساخة والفساد.النفايات في أوربا سلاح سلمي ضاغط على الحكومات، والنفايات السياسية في أوطاننا سلاح مستمر التهديد ضد الشعوب.