تحديد موعد الانتخابات بالعراق والفرصة الضائعة
محمد وذّاح
ما إن أعلن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي خلال كلمة متلفزة يوم الجمعة الماضي (31 تموز الماضي) تحديد موعد إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة في (السادس من يونيو/ حزيران 2021). حتى عاد الجدل من جديد إلى الشارع العراقي حول قضية الانتخابات كإحدى الحلول الناجعة لخروج البلاد من أزمتها الخانقة بعد انطلاق الاحتجاجات الشعبية في تشرين الاول الماضي وراح ضحيتها أكثر من 500 شهيد وفق رواية الحكومية الحالية.ويمثل قرار وضع موعد محدد للانتخابات المُبكرة من قبل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الايفاء بإحدى أهم العهود التي قطعها الكاظمي على نفسه وأملت عليه كشرط أساسي من قبل الكتل السياسية العراقية أبرزها (تحالف الفتح) صاحب اليد الطولى في منح الثقة للكاظمي مقابل تسنمه منصب إدارة الحكومة.تحفظ وترحيبوقد لاقى إعلان رئيس الوزراء عن موعد محدد للانتخابات المبكرة، ردود فعل متباينة، فبعض القوى السياسية أيدت الموعد الذي أعلنه الكاظمي، لإجراء الانتخابات في 6 يونيو/ حزيران 2021، فما تحفظت قوى أخرى وطالبت بموعد أبكر.* القوى المُرحبةفقوى سياسية شيعية بارزة، على رأسها تحالف “الفتح” بزعامة هادي العامري وائتلاف “النصر” بزعامة حيدر العبادي وائتلاف “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، أعربت عن تأييدها لقرار الكاظمي. والتي تمتلك تلك القوى مجتمعةً قرابة (140) مقعداً في البرلمان من أصل (329).كما أيد القرار جبهة “الإنقاذ والتنمية” السُنية بزعامة أسامة النجيفي الذي يمتلك 11 مقعداً في البرلمان.وتعليقاً على القرار، قال رئيس كتلة تحالف “الفتح” في البرلمان، النائب محمد الغبان، عبر “تويتر”، إن “تحديد الكاظمي لموعد إجراء الانتخابات المبكرة جاء بطلب من الكتل السياسية الشيعية”، مؤكداً “العمل على استكمال تشريع قانون الانتخابات لإجراء الانتخابات المبكرة في موعدها المقرر”.وفي ذات السياق، أعتبر زميله ولسان حال تحالف الفتح، النائب أحمد الأسدي، في تغريدة على موقع “تويتر” ايضاً، خطوة الكاظمي تحديد الانتخابات المبكرة “الاهم في مسيرة الاصلاح وعبور ازمة الثقة بين الحكومة والجمهور تكمن في اجراء انتخابات مبكرة نزيهة وبمشاركة واسعة”، مشدداً على “إكمال قانون الانتخابات وتهيئة المقدمات الفنية والإدارية لنجاح عمل المفوضية”.وعلق زعيم ائتلاف “دولة القانون”، نوري المالكي على قرار الانتخابات المبكرة، بالقول: إن “حل البرلمان يعتمد مرحلتين، الأولى الجهات التي لها حق طلب الحل، والثانية الجهة التي بيدها قرار الحل، ويكون بتصويت المجلس على حل نفسه”، مضيفاً: “لا صلاحية لأي جهة بحل المجلس من دون موافقته على حل نفسه”، بينما انضم إلى الداعين لاستعجال موعد الانتخابات بالمطالبة بموعد “أبكر”.بدوره، رحّب زعيم ائتلاف النصر حدر العبادي، بإجراء الانتخابات المبكرة في البلاد. داعياً “جميع المؤسسات والقوى السياسية التضامن لتذليل العقبات المتصلة بقانون الانتخابات وأداء المفوضية والإجراءات الحكومية الضامنة لانتخابات نزيهة وحرة، بعيدا عن الوصاية والهيمنة والتزوير”.واعتبر أن “مصداقية النظام السياسي برمته تتوقف على العملية الانتخابية القادمة ومديات نزاهتها وتعبيرها عن قوى الشعب وتطلعاته”.في الأثناء، قال زعيم “تيار الحكمة” عمار الحكيم، في بيان، إن “تحديد موعد لإجراء الانتخابات المبكرة من قبل رئيس الوزراء خطوة موفقة وبالاتجاه الصحيح، وهو مؤشر لعزم الحكومة على الإيفاء بوعودها”.من جهته، أكد أسامة النجيفي (رئيس البرلمان الأسبق) دعم ومساندة قرار الكاظمي.ودعا النجيفي، في بيان، إلى”إصدار قانون يستلهم إرادة الشعب، ومطالب ثوار تشرين (الأول/ أكتوبر) باعتماد الانتخاب الفردي والدوائر المتعددة، واستخدام البطاقة البيومترية حصرا لتفويت الفرصة على المزورين والمتاجرين، وإعادة هيبة الدولة”.وطالب بحصر السلاح المنفلت، وتوفير الأجواء الديمقراطية السليمة المؤهلة لممارسة المواطن حقه الشرعي في اختيار ممثليه.**القوى المعارضةبالمقابل، طالبت قوى سياسية أخرى بموعد أبكر للانتخابات من ذلك الذي أعلنه الكاظمي، ومنها تحالف “القوى العراقية” (سني) بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي (40 مقعدا)، وكتلة “عصائب أهل الحق” الشيعية (15 مقعدا).إذ قال الحلبوسي في بيان، إنه “من أجل العراق ووفاءً لتضحيات أبنائه، ندعو إلى انتخابات (أبكر) وعقد جلسة طارئة مفتوحة علنية بحضور الرئاسات والقوى السياسية للمضي بالإجراءات الدستورية وفقا للمادة 64 من الدستور، فهي المسار الدستوري الوحيد لإجراء الانتخابات المبكرة، وعلى الجميع أن يعي صلاحياته ويتحمل مسؤولياته أمام الشعب”.ويبدو أن إعلان الكاظمي عن موعد محدد للانتخابات المبكرة قد أحرج قوى سياسية تمتلك اجنحة عسكرية وترى في الكاظمي لعوب ومخادع ولا يمكن أن تأمن نيته، ظهر ذلك جليّاً من خلال البيانات الثلاث التي أصدرتها كتلة “صادقون” الجناح السياسي لـ”عصائب أهل الحق” في ظرف 24 ساعة والتي أعربت فيها عن تحفظها على الموعد الذي وضعه الكاظمي، مطالبة بموعد “أبكر”.ويرى رئيس كتلة صادقون، النائب عدنان فيحان، أنه “كلما كانت الانتخابات أبكر فهي أفضل، وباعتقادنا الشهر الرابع أفضل لمدة (8) أشهر كافية لإكمال متطلبات إجراء الانتخابات، وحتى تكون خطوات إعادة الثقة صحيحة وبناءة”.الانتخابات المقبلة .. فرصة ضائعةأما على المستوى الشعبي، فيرى بعض المراقبون أن حركة تشرين الشبابية التي قادت الاحتجاجات الشعبية، فقدت الفرصة في استثمار التعاطف الشعبي الكبير خلال التظاهرات عبر تشكيل تيار سياسي كبير يمكن أن يزلزل الارض تحت أرجل الطبقة التقليدية السياسية التي تسيطر على واقع العراق من لحظة 9 نيسان 2003 ولغاية الآن.ويعتمد هؤلاء المراقبون في رؤيتهم، بشأن ضياع فرصة تشكيل قوى شعبية منافسة للقوى التقليدية السياسية، من أن ثوار تشرين لو فكروا الآن في تقديم قيادة تمثل الانتفاضة للدخول الى الانتخابات المقبلة التي اعلن موعدها في حزيران المقبل 2021، فلن تفلح ولن تنجح لسبب بسيط هو أنهم فقدوا الطاقة الانفعالية العالية والتعاطف الشعبي الكبير التي امتلكتها لحظة تشرين، وكان يمكن أن تسهم في إضفاء الشرعية الحقيقية على ذلك التمثيل المفقود.