تأجير الآثار
فاتح عبد السلام
لم تتعرض دولة مثلما تعرض له العراق من تدمير لآثاره وتهريبها والمتاجرة بها، والقضية ليست من نتاج حرب الاحتلال الأمريكي للبلاد العام 2003، وانما جرت عمليات السرقة والتدمير منذ الفوضى التي عمت المدن العراقية في اعقاب حرب الكويت العام 1991. وحين وقعت حرب اسقاط النظام السابق، تعرض المتحف العراقي ومتاحف ومواقع آثارية عدة في الجنوب والشمال الى عمليات نهب وتهريب وحرق. وكانت عصابات السرقة تعرف أهدافها في النهب، ويبدو انّها كانت على صلات مع جهات ذات قدرة لوجستية على التخزين ثمّ البيع او التهريب والمتاجرة في الخارج.
كان كثير من العراقيين يرون انّها الحرب الأخيرة وانّ المتاحف الجريحة المضمدة بطرق بطيئة وبدائية في استعادة عافيتها ستكون في مأمن. ولم تكن هناك رؤية بعيدة المدى لوضع خطط حماية للآثار والمتاحف، ولعل الأمور كانت سائبة او تحت اشراف شبه بدائي، وإلا ما كان المتحف الحضاري في الموصل قد تعرض للتدمير والنهب على يد تنظيم داعش والعصابات الدولية والإقليمية المتعاونة معه في التهريب والبيع.إنَّ ما يقوله فرحاً وزير عراقي في انّ البلد استعاد ألف قطعة اثرية منهوبة لا يعطي الصورة الواجب ان تكون متكاملة، ذلك انّ المهم هو كشف أساليب النهب والتخزين والاتصالات الدولية في التهريب، وكيف تتحرك العصابات في الدول الأخرى ومَن هم عملاؤها السريون والعلنيون في داخل العراق، والمسألة في جوهرها أمنية استخبارية أكثر منها تفاهمات وعلاقات ثقافية.هل تتوافر لدينا السبل الكفيلة في حماية آثارنا بحسب طرق حماية علمية دقيقة، فيما إذا تعرضت البلاد ذات يوم الى فوضى جديدة. ومن السذاجة انْ يتم اسقاط هذا الاحتمال أبداً، كما حصل سابقاً. فالمنطقة لا تزال تلتهب من حولنا.ليس بالضرورة، ان تكون جميع القطع الاثرية داخل متاحفنا فقط، فالقطع التي صارت في يد دول أخرى بطرق مختلفة، يمكن ان نفيد منها حيث هي هناك، من خلال تأجيرها في اتفاقيات تدر على العراق ثروة كبيرة، ذلك انّ الأموال التي تجنيها سياحة المتاحف في العالم المتقدم كبيرة جدا، ومن حق بلادنا ان تستحصل على نسبة من خلال الاثار المودعة في تلك المتاحف في خلال فترات زمنية محددة حتى تستقر الظروف والإمكانات الفنية ونستعيدها الى متاحفنا. هناك مقترحات كثيرة تحتاج الى ورش عمل خاصة بالآثار العراقية من أجل مستقبل أفضل وآمن لها، ربّما نعرضها هنا في قابل الأيام.