بغداد واربيل… خلافات لا تنتهي
من بين كل أزمات العراق، تبقى الأزمة الثابتة منذ أعوام، هي أزمة بغداد وأربيل، رغم تغيّر رؤساء الحكومة الاتحادية إذ بقيت صلبة وتتدحرج مثل كرة الثلج، حتى وصلت إلى مستوى الخطابات العلنية بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان بشأن تنظيم الموارد المالية والسيطرة على المنافذ الحدودية في الإقليم.
الأزمة اشتدت في حقبة رئيس الحكومة العراقية الأسبق، حيدر العبادي، عندما استخدم الطرق القانونية والدستورية للتعامل مع حكومة إقليم كردستان وعدم التهاون مع الخروقات على حساب الشعبين الكردي والعربي، واستمرت في حقبة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، عندما بدأ بتسليم حكومة إقليم كردستان 450 مليار دينار شهريا، رواتب للموظفين من دون استلام واردات النفط وغير النفط من سلطات الإقليم، مما أشعل غضبا سياسيا في البرلمان العراقي واعتبر هذا الملف أحد المؤاخذات على حكومة عبد المهدي.
في حكومة رئيس مجلس الوزراء، مصطفى الكاظمي، الحالية، ومع الانخفاض التاريخي لأسعار النفط وجائحة كورونا التي عطلت الحياة وأغلقت التعاملات التجارية والاقتصادية، حتى ضربت العراق أزمة مالية، هددت رواتب موظفيه، أضطر البرلمان إلى تشريع قانون الاقتراض الداخلي لتمويل رواتب الموظفين لمدة ثلاثة شهور.
هنا، وضع العراق لم يحتمل التهاون في مجال السيطرة على الإيرادات غير النفطية وإحكامها إلى سلطة القانون، ما دفع الكاظمي لحملة عسكرية كبيرة على المنافذ الحدودية في الوسط والجنوب وخاطب حكومة الإقليم لفرض السيطرة الاتحادية على 50% من منافذ الإقليم الحدودية التي يجري التهريب منها في 26 منفذا بحسب الزراعة النيابية، وتسليم واردات النفط إلى بغداد، مقابل الحصول على رواتب الموظفين.
وفد كردي يزور حكومة الكاظمي
في نهاية شهر حزيران الماضي، وصل وفد كردي رفيع إلى بغداد، من أجل الحصول على رواتب موظفي الإقليم، حيث عاد الوفد إلى أربيل باشتراطات حددتها حكومة بغداد لاستئناف تمويل رواتب موظفي الإقليم.
وقال مصدر مسؤول في حديث لـ(بغداد اليوم)، إن “بغداد طلبت من الإقليم تسليمه النفط كاملا مع 50% من إيرادات المنافذ الحدودية مقابل إرسال الحكومة الاتحادية مبلغ 4500 مليار دينار شهريا”.
وأوضح، أن “الموقف يتجه إلى أن توافق حكومة الإقليم على تسليم إيرادات النفط و50% من إيرادات المنافذ الحدودية شريطة زيادة بغداد للمبلغ المرسل ليصبح 650 مليار دينار مع تحملها دفع رواتب الشهداء والمؤنفلين والسجناء السياسيين وتكون رواتبهم من الحكومة الاتحادية”.
حكومة إقليم كردستان، رفعت من سقف شروطها، وهذا ينسف جهود تذويب الأزمة، وألقت اللوم على الحكومة الاتحادية بأنها لم تبدِ مرونة في إنهاء الأزمة، الأمر الذي أثار غضب وزير المالية الاتحادي، علي علاوي، في بيان شديد اللهجة وكشف كل الحقائق ووصف بيان حكومة إقليم كردستان بغير الدقيق.
كشف الحقائق بين حكومة الإقليم ووزارة المالية الاتحادية
أكدت حكومة اقليم كردستان، يوم الاربعاء 12 آب 2020، أن بغداد غير مستعدة للتجاوب رغم تقديم كردستان جميع المسوغات الدستورية، مبدية استيائها الشدید تجاه مماطلة الحكومة الاتحادية في إرسال الرواتب.
وقالت الحكومة في بيان ، ان “مجلس وزراء إقليم كردستان عقد الأربعاء جلسته الاعتيادية برئاسة رئيس مجلس الوزراء مسرور بارزاني وبمشاركة نائب رئيس مجلس الوزراء قوباد طالباني، وذلك عبر دائرة تلفزيونية مغلقة بنظام (الفيديو كونفرانس)”، مبينةا انه “جرى في مستهل الاجتماع، مناقشة الوضع المالي الراهن في إقليم كردستان ونتائج سير المباحثات بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية”.
واضافت ان “مجلس الوزراء ثمن الجهود التي يبذلها وفد حكومة الإقليم التفاوضي مع الحكومة الاتحادية”، مشيرة الى ان “حكومة إقليم كردستان لم تُبقِ أي مسوّغ دستوري أو قانوني أو إداري أو مالي إلا وقدمته خلال المباحثات من أجل التوصل إلى اتفاق”.
وتابعت ان “الإقليم وافق على جميع شروط الحكومة الاتحادية في إطار الدستور، غير أن الحكومة الاتحادية، وللأسف، لم تبدِ ومنذ أكثر من ثلاثة أشهر أي استعداد لإرسال الجزء الذي كانت ترسله من الرواتب، مما أدى إلى عدم تمكن حكومة الإقليم من صرف المستحقات المالية لمن يتقاضون الرواتب، وألقى ذلك بظلاله وآثاره السلبية على الوضع المعيشي بالنسبة لمستحقي الرواتب في خضم الوضع الصحي الشاق الذي يواجهه الإقليم”.
ردت وزارة المالية الاتحادية، يوم الاربعاء 12 آب 2020، على بيان حكومة إقليم كردستان الذي اتهم بغداد بالمماطلة في ملف إرسال رواتب موظفي الإقليم.
وجاء في نص البيان:
“تعرب وزارة المالية الاتحادية عن استغرابها من البيان الصادر عن مجلس وزراء اقليم كردستان اليوم الاربعاء (12 آب 2020) حول نتائج المباحثات المتعلقة بالدفوعات المالية وتنظيم الواردات الاتحادية والمنافذ الحدودية بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم.
وتؤكد الوزارة ان الحوار قطع اشواطاً متقدمة، وان الحكومة الاتحادية انطلقت منذ بداية الحوار من الحرص على حقوق مواطني اقليم كردستان العراق ، وضمان تأمين مرتباتهم، خصوصاً بعد ما تبين لها عدم وصول الدفعات المالية المرسلة الى وزارة مالية الاقليم الى كل المستحقين، بالإضافة الى تلقيها طلبات موقعة من عشرات الالاف من موظفي الاقليم لتحقيق ربط مرتباتهم عبر الاليات المصرفية.
وان وزارة المالية اذ تؤكد ان بيان حكومة الاقليم افتقر الى الدقة المطلوبة في تحديد اساس المشكلة خصوصاً مع المرونة الكبيرة التي قدمتها الحكومة الاتحادية لتسهيل التوصل الى اتفاق يخدم شعب كردستان العراق، فانها تشير في الوقت نفسه الى ان الحكومة الاتحادية وضمن حقوقها الدستورية لتأمين المنافذ الحدودية ومراقبة الواردات والاستقطاعات الجمركية ، طرحت مبدأ الشراكة الوارد في المادة 114 (اولاً) من الدستور لتأمين الرقابة على المنافذ الحدودية في الاقليم.
وفي هذا الصدد يمكن الاشارة الى ان عدم ابداء حكومة الاقليم المرونة الكافية لحل هذا الموضوع ، ومن ثم محاولة القاء اللوم على الحكومة الاتحادية حول الدفعات المالية قبل حسم الجوانب المتعلقة بالواردات، يمثل تنصلاً غير مقبول من المسؤولية، في مقابل حرص الحكومة الاتحادية على تأمين مطالب الموظفين والمتقاعدين والمستحقين من مواطنيها ضمن الاطر والسياقات القانونية وبالشكل الذي لا يسمح بتعرضها الى استقطاع او تبديد.
ان الاساس الذي انطلقت منه المباحثات قد جاء في اطار الكتاب المرسل من وزارة المالية الى السيد رئيس حكومة اقليم كردستان المرقم 802 وبتاريخ 19/5/2020 والمتضمن دفع وزارة المالية مبلغ 400 مليار دينار عراقي لشهر نيسان ، والدخول باجتماعات مكثفة للتوصل الى تسوية نهائية بين الجانبين خلال مدة شهر واحد باعتماد قانون الادارة المالية الاتحادي اساساً لها، ومن ضمن ذلك احتساب الواردات غير النفطية للإقليم وتدقيقها قبل ارسال اية دفعات مالية اضافية.
وقد وافقت حكومة الاقليم على المضمون المذكور آنفاً في كتاب السيد وزير المالية والاقتصاد في حكومة اقليم كوردستان برقم 201 في 19/5/2020 .
وتؤكد وزارة المالية حرص الحكومة الاتحادية على التوصل لتسوية نهائية في هذا الموضوع في اطار ودي ودستوري، كما تشير الى توجيهات رئيس مجلس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي بضرورة ايجاد الحلول اللازمة وابداء المرونة الكافية لتأمين حقوق الشعب الكوردي الذي عانى كثيراً في ظل ظروف صحية واقتصادية صعبة وخصوصاً فئة الموظفين والمتقاعدين والمستحقين.
وندعو في هذا السياق حكومة اقليم كوردستان الى الاسراع في الايفاء بالتزاماتها وواجباتها الدستورية والعودة الى طاولة المباحثات خدمة للمصلحة العامة”.
أين تكمن الأزمة؟
قالت النائبة السابقة عن محافظة السليمانية والسياسية المستقلة، سروة عبد الواحد، اليوم السبت 15 آب 2020، إن الأزمات بين بغداد وأربيل، قائمة منذ العام 2003، وجد الحل لبعض منها وفق مزاجات سياسية ومجاملات بين القيادات في بغداد واربيل.
وذكرت عبد الواحد أن “حكومة إقليم كردستان لديها أخطاء فيما يتعلق بموضوع عدم الشفافية في الملف النفطي والواردات، بالمقابل بغداد لديها مشاكل في عدم الالتزام في الاتفاقيات والتنصل عليها”، مشيرة إلى أن “واجب بغداد دفع رواتب جميع المحافظات بغض النظر عن الخلافات السياسية ولا ذنب للموظف”.
وأضافت، أن “المصيبة الأكبر حتى وأن دفعت بغداد الرواتب فأن حكومة الإقليم بسبب الفساد، لن توزع الرواتب على مستحقيها، ولذا على الحكومة الاتحادية تسليم الرواتب بصورة مباشرة من دون وساطة احزاب فاسدة”.
ما قالته عبد الواحد بشأن غياب الشفافية في حكومة الإقليم، هو ما أكد وزير المالية علي علاوي، في بيانه الذي خاطب من خلاله حكومة الإقليم، عندما قال لهم، “الحوار بين بغداد وأربيل قطع اشواطاً متقدمة، وان الحكومة الاتحادية انطلقت منذ بداية الحوار من الحرص على حقوق مواطني اقليم كردستان العراق ، وضمان تأمين مرتباتهم، خصوصاً بعد ما تبين لها عدم وصول الدفعات المالية المرسلة الى وزارة مالية الاقليم الى كل المستحقين، بالإضافة الى تلقيها طلبات موقعة من عشرات الالاف من موظفي الاقليم لتحقيق ربط مرتباتهم عبر الاليات المصرفية”.
واضافت عبد الواحد، أن “عقلية حكومة إقليم كردستان نفسها منذ العام 1991 وهي الحزبين الحاكمين، وإذا ما لم تغير هذه العقلية والأدوات التي تحكم الإقليم ستبقى المشاكل قائمة”، مبينا أن “المشكلة ليست في بغداد فقط ولكن اربيل ايضا في عدم شفافيتها والفساد فيها، في إشارة إلى حكومة كردستان”.
أما النائب عن حكومة إقليم كردستان وعضو كتلة المستقبل في مجلس النواب، سركوت شمس الدين، قال في بيان تلقته (الاولى نيوز ) إن “تعامل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لا يزال غير واضح مع حكومة اقليم كردستان”.
واضاف البيان، “اننا في الوقت الذي نشجع فيه على صرف رواتب موظفي الاقليم بأسرع وقت ممكن، فأننا لا نريده ان يسكت عن تجاوزات حكومة الاقليم في تهريب النفط والاستفادة من الاموال لتعزيز ارصدة اعضاء الحزبين الرئيسيين في الخارج فيما يعاني المواطنين هناك الامرين”.
وتابع أن “الكاظمي مطالب بالضرب بيد من حديد ومحاسبة المفسدين في حكومة الإقليم، اسوة بالخطوات التي يمكن ان تتخذ لمحاسبة المتورطين بالفساد من اعضاء الحكومة الاتحادية السابقين”.
في هذه التعقيدات الشائكة، تبقى أزمة بغداد وأربيل، قائمة ما لم تبادر قوى سياسية وطنية لإيجاد حلول ناجعة لها، بغية إنقاذ حياة المواطنين والحفاظ على مستحقاتهم، لكن هناك تشاؤم سياسي، حيث قال عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، عماد باجلان بشأن الملفات العالقة بين بغداد وأربيل، بأن “أربيل وصلت إلى طريق مسدود مع بغداد”.