بغداد الميليشياوية الآن كأنها بيروت الغربية في الثمانينات
بقلم مهدي قاسم
تجري بين فترة قصيرة وأخرى ــ حيث أصبحت عادة مالوفة ــ عمليات عرض عضلات عسكرية لمليشيات مختلفة في شوارع بغداد استعراضا للقوة وتحديا للدولة أو استخفافا بالحكومة بشكل عام ، بغية إرسال رسالة أو تبليغا للحكومة إلى أن هذه الميليشيات لا تشتري هيبة وسيادة القانون حتى ولو بفلس واحد ، و أنها بإمكانها أن تفعل ما تريد وتشاء ، بحيث إنها تتحدى الدولة و تقتل وتخطف وتقتل وتفجّر محلات المسيحيين والايزيديين لكسب الرزق ، حسب كيفها ومزاجها الآنيين ..وفي أثناء ذلك تتفرج الدولة ــ وهي في واقع الحال عاجزة و مستسلمة للأمر الواقع ــ فتتفرج كيف تهُان هيبتها و تُداس مؤسساتها القانونية والنظامية على أيدي هذه الميليشيا الإيرانية أم تلك وهي موجودة بالعشرات ، دون أن تستطيع الحكومة ممارسة حتى حق الاحتجاج والاستنكار الصريحين فتصرّح بشكل ملغز و مبطن باستكانة مثيرة للشفقة حقا ..وهي حالة باتت تكرر بشكل شبه اسبوعي أمام أنظار المواطنين الذين اعتادوا على مثل هذه المشاهد المسلحة مع شعور بخوف واحباط وفقدان الأمل في أن تتمكن الدولة استعادة هيبتها في يوم من الأيام القريبة أو البعيدة و البلد يعني من احتلال إيراني غير مباشر من خلال عملائها المحللين والعقائديين..ومما يضفي صورة كاريكاتورية على مثل هذه المشاهد غير السارة هو تعليق مقتدى الصدر ما معناه أنه يجب على” الحشد الشعبي معاقبة هؤلاء الذين يكسرون هيبة الدولة “، لا بالله !!، متناسيا أنه هو نفسه قد فعل ذلك مرارا وتكرارا، مرة بذريعة فرض الأمن وجرة الأذن ، ومرة أخرى بحجة مساعدة القوات الأمنية على فرض الأمن !، فها هي ميليشيات أخرى ، مثل عصائب أهل الحق والآن عناصر ربع الله أخذت تقلّد سرايا السلام مستعرضة عضلاتها العسكرية في شوارع بغداد في أكبر تحد سافر لما تبقى من هيبة الدولة شبه منهارة أصلا بدون ذلك ..و قد ذكرتني وتذكرني هذه الاستعراضات للعضلات الميليشياوية في بغداد ، أقول تذكرني ببيروت الغربية ما بين السبعينات وبدايات الثمانينات من القرن الماضي ــ حيث كنتُ أعمل صحفيا ــ في وسط غياب كلي للدولة اللبنانية و سيطرة المنظمات الفلسطينية والقوى ” الوطنية ” اللبنانية على المنطقة برمتها ، ضمن مناطق نفوذ محددة لكل تنظيم و منظمة ، مع سيطرة كلية لمنظمة ” فتح ” الفلسطينية بقيادة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسرعرفات ، إذ غالبا ما كانت تجري مصادمات واحتكاكات بين هذا العدد الكبير من تنظيمات مسلحة مع تواجد عسكري دائم في الشوارع و بين المناطق و الأزقة مع اشتباكات متقطعة بأسلحة خفيفة وثقيلة ( على طريقة العشائر العراقية حاليا )حيث كانت تتدخل قوات” 17″ الفتحاوية بصفتها قوة أمنية ” رادعة ” و ضابطة للوضع الأمني في بيروت الغربية لفك الاشتباك و فض النزاع الذي سرعان ما كان يتجدد في وقت آخر ويتكرر ليصبح طقسا يوميا معتادا في بيروت الغربية .إذن فما أشبه بيروت البارحة ببغداد اليوم ؟! ..ولعل من سخرية القدر أن ينهي الاجتياح الإسرائيلي لبيروت تلك الظاهرة من الفوضى الأمنية والاشتباكات اليومية لتعود السيادة للدولة اللبنانية بعد الانسحاب الإسرائيلي السريع من بيروت ومعظم الأراضي اللبنانية وخاصة بعد اختفاء أو مغادرة التنظيمات المسلحة ، حتى ظهور حزب الله كقوة ميليشياوية مهيمنة على بيروت الغربية مجددا .. ومهيمن على بيروت الغربية مجددا كقوة ميليشياوية..