بعد قصف دهوك.. ماذا تبقى من سيادة العراق؟
لم تنتهي المشاكل الدبلوماسية بين تركيا والعراق لتتشكل بوادر ازمة وخلاف جديد، عقب الضربة القاسية التي تلاقاها العراق التي استهدفت ، مصيفا سياحيا في محافظة دهوك شمالي العراق، وأدى إلى مقتل 9 أشخاص، بينهم أطفال، وجرح العشرات لتلقي الحكومة العراقية باللوم على الجانب التركي في وقت نفى فيه هذا الأخير مسؤوليته من الهجوم.
ضربة موجعة بين إنكار تركي واستهجان عراقي
عقب تنفيد الهجوم، أصدر المجلس الوزاري للأمن الوطني في العراق قرارات عقب اجتماعه رداً على القصف التركي في دهوك الذي أوقع العديد من القتلى والجرحى.
وجاءت القرارات بين، إعداد ملف متكامل بالاعتداءات التركية المتكررة على السيادة العراقية وأمن العراقيين، وتقديم شكوى عاجلة بهذا الشأن إلى مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، إلى استقدام القائم بالأعمال العراقي من أنقرة لغرض المشاورة، وإيقاف إجراءات إرسال سفير جديد إلى تركيا. وتوجيه قيادة العمليات المشتركة بتقديم تقرير بشأن الحالة على الحدود العراقية التركية، واتخاذ كل الخطوات اللازمة للدفاع عن النفس.
من جهة أخرى أعلنت وزارة الخارجية العراقية، أنها تقوم بحشد الجهود الوطنية لتوحيد الموقف العراقي حول الاعتداء التركي، فيما أشارت إلى أن هناك مساندة دولية بالدفاع عن سيادة العراق في مجلس الأمن الدولي.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية أحمد الصحاف في تصريح لوكالة الأنباء العراقية (واع)- إن “الخارجية العراقية حشدت الجهود الوطنية على مستوى مجلس النواب والحكومة لتوحيد الموقف العراقي بشأن الاعتداء التركي”، مبينا أن “ذلك سيكون رافعا للقرار الدبلوماسي العراقي”.
وأضاف المتحدث أن “الدبلوماسية العراقية حشدت بدورها أيضا جميع جهود شركاء العراق وأصدقائه حول الاعتداء التركي”، مشيرا إلى أنها “حازت على مصادر الدعم المتعددة من خلال البيانات والمواقف الداعمة لحكومة العراق وشعبه، ثم الوعد بتبني التقارير الرسمية العراقية بقوة داخل مجلس الأمن الدولي والدفاع عن سيادة العراق وحماية مواقفه”.
من جهة اخرى فندت تركيا على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان، الاثنين، مسؤوليتها عن الهجوم حيث قال أردوغان إن الهجوم الذي وقع على منتجع جبلي في محافظة دهوك شمالي العراق الأسبوع الماضي وأدى إلى مقتل 9 أشخاص “نفذه إرهابيون”، و”يهدف إلى الإضرار بالعلاقات التركية العراقية”.
وذكر أردوغان في مقابلة مع قناة “تي آر تي” الإخبارية الحكومية، أن تركيا أبلغت حلفاءها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ومن بينهم الولايات المتحدة، والسلطات العراقية بموقفها من الهجوم، مضيفا أنه دعا العراق إلى “عدم الوقوع في فخ الدعاية التي يروجها المسلحون الأكراد”.
توقيت لافت
وتعليقا على ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي حسين السبعاوي لـ”عربي21″ إن “تركيا نفت ضلوعها بالهجوم على دهوك في إقليم كردستان وارتكاب مثل هذه الجريمة، وأن على بغداد التعاون مع أنقرة في تشكيل لجنة التحقيق لحسم الجدل الحاصل بشأن من يقف وراء الاستهداف الذي طال السياح”.
وأضاف السبعاوي أن “اللافت في الموضوع أن القصف حصل مباشرة بعد قمة روسية إيرانية تركية عقدت في طهران، وكان المرشد الإيراني علي خامنئي بعد لقائه الرئيس التركي أردوغان، رافضا لأية عملية عسكرية تركية في سوريا وقالها صراحة أنها تضر بالمنطقة”.
وتابع: “ناهيك عن موضوع التسريبات الصوتية المنسوبة لرئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، والتي ربما تكون هذه الهجمات جاءت لصرف النظر عنها، لذلك على تركيا والعراق التعاون والكشف أمام الشعب العراقي من يقف وراء القصف”.
ورأى الكاتب أن “الهجمة الإعلامية على تركيا في العراق، وظهور اللافتات التي تهاجمها بشكل مباشر بعد الهجوم يوحي وكأن الأمر كان معدا له سابقا، لتأليب الشعب العراقي على تركيا وقطع العلاقة معها”.
وطالب السبعاوي السلطات العراقية بـ”إنهاء تواجد حزب العمال الكردستاني في تلك المنطقة، لماذا تتواجد هذه المنظمة في تلك المناطق ولا يجري إخراجها وتتسبب بمشاكل للعراق مع جيرانها، أليس هذا مخالفا للدستور؟”.
قبل القصف المذكور دخل الرأي العام العراقي في حالة شد كبيرة تجاه تسريبات صوتية منسوبة للمالكي نشرها الصحفي العراقي المقيم في الولايات المتحدة علي فاضل، والتي كشفت عن مخططات رئيس الوزراء الأسبق ضد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
وقبل يوم واحد من وقوع الهجوم على دهوك، قال علي فاضل خلال مقابلة تلفزيونية إنه لو نشر المقطع الصوتي المنسوب للمالكي بشكل كامل مرة واحدة لأقدم الأخير على إحداث تفجيرات في بغداد وغيرها من المدن حتى ينشغل الشعب العراقي عنها وتنسى مخططاته.
“شرخ بين البلدين”
بدوره، قال الباحث في العلاقات الدولية طه عودة أوغلو: إن أنقرة تتفهم بشكل واضح حالة الغليان في الشارع العراقي بعد هذا الهجوم، مؤكدًا ضرورة البحث عن المستفيد بعد حادثة قصف دهوك، لا سيما أن علاقات تركيا مع العراق أصبحت أقوى في الفترة الأخيرة.
لذلك فإن أنقرة حاولت عبر وزير خارجيتها مولود تشاووش أوغلو مؤخرًا، الرد على تلك الاتهامات ونفيها وتأكيد رغبتها في إجراء تحقيق والكشف عن المسؤولين عن القصف، وفق حديث عودة أوغلو إلى “العربي” من إسطنبول.
وأوضح أن حزب العمال الكردستاني يحاول أن يفتح فجوة في العلاقات بين العراق وتركيا، مشيرًا إلى أن الحكومة التركية تعي تمامًا أن هناك جهات تحاول إشعال الأزمة وإحداث شرخ بين البلدين، لذا فهي تمارس سياسة ضبط النفس.
واعتبر أن واقعة دهوك لن تؤثر على الخطط التركية ونيتها في شن عملية عسكرية في الشمال السوري، خاصة أن وزير الخارجية التركي أكد في تصريحاته أمس الخميس، أن بلاده ماضية في عمليتها ولن تأخذ “الإذن” من أي دولة بهذا الشأن.
من جهة اخرى لفت وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أنه “إذا كانت هناك مشكلة بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني فيجب أن لا يتم تصدير المشكلة الى داخل العراق”، كاشفا أن “خبراء عسكريين عراقيين أثبتوا أن هذه الضربة من الجانب التركي”.
ايران وسياسة الهيمة على العراق
كل الأحداث والازمات السياسية التي تتخبط فيها الساحة العراقية لها علاقة مباشرة بالنفوذ الإيراني داخل العراق حيث عملت إيران منذ زمن على محاور عدة متوازية للتأثير ومحاولة التحكم في القرار العراقي من خلال التعاطي مباشرة مع القيادات العراقية الجديدة التي تعاملت مع إيران في زمن المعارضة.
يذكر أن لإيران علاقات متينة مع المكونات الأخرى مثل السنّة والأكراد، وتربطها علاقات وثيقة ببعض القوى السياسية السنّية والأحزاب الكردية الحاكمة، وبإمكانها العمل معها بما يخدم مصالحها على الصعيدين المحلي والإقليمي.
تغيرت معادلة النفوذ الإيراني بعد حدثين مهمين: أولهما اندلاع المظاهرات الحاشدة على نحو غير مسبوق في بغداد ومدن وسط وجنوب العراق في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2019 واستمرارها حتى يومنا هذا.
وثانيهما هو اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وغيابهما عن ساحة الأحداث.
وبلغت تداعيات الحدث الأول حد سماع صرخات عالية من الشباب العراقي في المدن الشيعية؛ وفي مقدمتها النجف وكربلاء، تندد بالوجود الإيراني وتطالب بالتخلص منه: «إيران بره بره». وهذه الهتافات رددتها شريحة من شباب المكون الشيعي، العاطلين عن العمل والفاقدين أبسط الخدمات، ويرون تأثير إيران السلبي ودعمها الأحزاب التي تصدرت المشهد السياسي رغم فشلها في تقديم الخدمات وتوفير فرص العمل وإعادة بناء مدن العراق المدمرة جراء سلسلة الحروب والإهمال واستشراء الفساد.
كل هذه الأحداث جعلت الشعب العراقي يتذكر حقبة الزعيم صدام حسين وكيف كان للعراق سيادة داخلية وخارجية مفقودة وهو ما عبر عنه والمحلل السياسي، باسل الكاظمي، والذي يقول “إن المؤشرات والمعطيات المتوفرة حاليا، تفيد بإن العراق بعد سقوط النظام، كان يتوقع بإنه ستكون له انطلاقة نوعية ونموذجية إلخ.. لكن بسبب الطبقة السياسية والوجوه الكالحة “على حد وصفه”، التي لا تبحث سوى عن مصالحها ومصالح أحزابها، لو بقيت البلاد على ذلك النظام وتلك الوضعية لكانت أفضل”.
ويوضح الكاظمي، شيء بالشيء لو عدنا بالسنوات الأولى من سقوط النظام لرأينا هناك احتفالات وأفراح حول سقوط النظام، أما اليوم رأينا العكس لا يوجد هناك فرحة، ويوجد البعض من الشعب العراقي يقولون كنا نتمنى أن يبقى العراق على ذلك النظام، لان الهيبة كانت موجودة والكثير من المسائل وأبسط الاحتياجات متوفرة لدى المواطن.
ونوه الكاظمي، إلى أن العراق، بعد سقوط النظام، من سوء إلى أسوء ومن يقول أن هذه العملية السياسية أفضل فقط المستفيد منها أما المواطن الضعيف ليس بمستفيد أبدا ً، وهو بين المطرقة والسندان.
“قبل سقوط النظام، كان العراق يعتبر رمز الدول العربية شأنا أم أبينا، واليوم عندما نتحدث في أي دولة ونقول أننا عراقيين، يقولون انتم رمز الدول العربية، هذا من جانب لأن بلدنا كانت لديه قدسية من جانب الدول العربية والإسلامية، أما الآن فلا توجد سيادة”، ولو عدنا إلى مسألة الفساد، كان العقاب شديد في عهد النظام السابق، ومن كان يسرق أموال الشعب يعلق في ساحتي التحرير، والاحتفالات، وهذا أعطى مؤشر واضح بأن هناك عقاب، فمسألة الفساد في ذلك الوقت لم تتوفر.
تقرير لـ بشرى حفيظ