بعد عدة معارك مع العثمانيين.. تعرف على تاريخ العراق في سنوات الاحتلال البريطاني
بعد سنوات من المعارك مع العثمانيين، وصلت القوات البريطانية بغداد في 11 مارس/آذار 1917 لتنتهي حقبة الحكم العثماني للعراق التي دامت نحو 4 قرون، وأنتج الغزو البريطاني للبلاد آثارا سياسية واجتماعية كبيرة، فضلا عن تحول جذري في حياة العراقيين من الناحية المعيشية والفكرية والثقافية.
مواجهة العثمانيين.
بدأ التغلغل البريطاني في العراق منذ عهد المماليك والعثمانيين، حيث أقام البريطانيون وكالة تجارية لهم في البصرة، لتأمين الطرق المارة من العراق إلى الخليج العربي حتى الهند، بحسب فايز الخفاجي الباحث في تاريخ العراق السياسي المعاصر.
ويضيف، أن عمليات الاحتلال البريطاني للعراق بدأت عام 1914، وكان الهجوم الأول حملة القصف من القوات البحرية على حصن الفاو القديم في البصرة جنوبي البلاد.
واستمرت المعارك بين البريطانيين والعثمانيين حتى انهزم البريطانيون في معركة الكوت، واستسلم الجنرال تشارلز تاونسند في 29 أبريل/نيسان 1916، ووقع نحو 13 ألف جندي بريطاني في الأسر، بحسب الخفاجي.
ويشير هذا الباحث والمؤرخ إلى أن بريطانيا لم تدع هذه الهزيمة تمر، فقامت بتجهيز قوات إضافية مع معدات جديدة، واستمر تدريبها وتنظيمها 6 أشهر، ثم شنت هجوما كبيرا في 13 ديسمبر/كانون الأول 1916.
واستطاعت القوات البريطانية التقدم على ضفتي نهر دجلة، مما دفع العثمانيين للخروج من عدد من المواقع العسكرية في تلك المنطقة، ونجح البريطانيون في السيطرة على الكوت في فبراير/شباط 1917، ثم توجه جيشهم نحو العاصمة العراقية.
احتلال بغداد.
وفي 11 آذار 1917 دخل الجيش البريطاني قلب مدينة بغداد، ولقد لعبت قوات الهند البريطانية دورا مهما في ذلك الاحتلال، كما يقول الخفاجي.
وبعد أسبوع من سقوط المدينة -بحسب الخفاجي- أصدر الجنرال البريطاني ستانلي مود “بيان بغداد” الذي اشتهر باحتوائه على العبارة التي قالها “لم تأتِ جيوشنا إلى مدينتكم وأرضكم كغزاة أو أعداء، ولكن كمحررين”.
وعن أوضاع سكان بغداد الأيام الأولى من الاحتلال، ينقل الخفاجي ما ذكره إدوارد تاننت ضابط سلاح الطيران البريطاني في وقتها عن بقاء أهالي بغداد في بيوتهم، وقد أغلقت الأسواق وهجرت، وتعرضت دكاكين كثيرة للنهب والحرق، وجرى تفتيش البيوت، طالبا من أهل المدينة أن يسلّموا ما لديهم من أسلحة وإلّا عوقبوا بالإعدام.
كما فرض حظر التجوال ابتداء من 8 مساء، ونصبت مشنقتان في ساحة مفتوحة، يعلّق فيها المحكومون بالإعدام ليراهم أهل مدينتهم ويدركوا جدية المحتل في قتل كل من يحاول مقاومتهم، على حد قول الخفاجي.
الانتداب
في البداية، كانت الإدارة عسكرية يدريها ضباط بريطانيون، ثم بدأ التحول إلى الإدارة المدنية بإجراءات تدريجية، فصدرت عدة صحف وفتحوا عددا من المدارس وأعادوا فتح كلية الحقوق في بغداد، كما يفيد الخبير القانوني والمؤرخ طارق حرب.
ويضيف، أن بريطانيا أرسلت مستشارين لتنظيم القوانين وتسيير شؤون البلاد حتى عام 1920، حيث تشكلت أول حكومة وطنية برئاسة عبد الرحمن النقيب، وتكامل الأمر عام 1921 عندما جاء الملك فيصل الأول وبويع من خلال استفتاء وأصبح ملكا على البلاد، وعام 1932 كان العراق أول بلد عربي يتخلص من حكم الانتداب وينضم إلى عصبة الأمم.
ومن أبرز الآثار السياسية -حسب حرب- تحول الحكم إلى العراقيين، كما دمجت ولاية البصرة وبغداد، ولاحقا دمجت الموصل عام 1924، لتتشكل حدود العراق الكاملة.
ويعود حرب فيقول إنه لم تحدث مشاكل بداية دخول القوات البريطانية، ولكن عام 1920 ساءت تصرفات المندوب السامي البريطاني أرنولد ويلسون، مما أثار العشائر العراقية في بغداد وكربلاء والنجف وغيرها.
ويتابع: اندلعت احتجاجات عديدة ضد البريطانيين غرب بغداد وامتدت إلى جنوب البلاد وشمالها، بسبب التصرفات الهوجاء لبعض القادة والجنود البريطانيين، وبدأت المطالبات بتشكيل حكومة وطنية.
ثورة العشرين
وتجنبت القوات البريطانية أول الأيام دخول المدن المقدسة، ولكن بعد مدة دخلوها فحدثت مقاومة داخلية وتشكلت جمعيات المقاومة التي بدأت تتحشد وتقوى بشكل تدريجي، كما يقول أستاذ التاريخ فاروق صالح العمر.
ويبيّن، أن العمل الثوري بدأ بالسر، ثم تطور فكانت انتفاضة النجف عام 1918 والتي سقط خلالها الكثير من الضحايا، وكانت بقيادة دينية وعشائرية في النجف وقيادة فكرية في بغداد، وكانت هذه مقدمة لثورة عام 1920.
ويلفت العمر إلى أنه رغم عدم استمرار ثورة العشرين أكثر من 6 أشهر فإنها حققت نتائج مهمة، منها تراجع بريطانيا عن خططها، وأصبح للعراق نظام ملكي ومجلس نيابي وحكومة ومجلس أمة لاحقا، وكل هذه المنجزات تحققت بسبب ثورة العشرين التي ستبقى رمزا كبيرا جدا في تاريخ العراق المعاصر.
ويعرب عن اعتقاده بأن بريطانيا أدركت أنه ليس من السهل السيطرة على العراقيين كما حدث في الهند ومناطق أخرى، حيث رأت تصميم الشعب على الاستقلال والتمتع بمزايا الدولة المعاصرة، ولهذا استجابت بريطانيا لمطالب العراقيين.
ويشدد أستاذ التاريخ على أن العراق حافظ على قوته ومكانته في المنطقة على مدى سنوات الطويلة، ورغم الانتكاسة التي يمر بها منذ عام 2003 فإن العراق سيبقى قويا فتيا مهما طال به الأمد.
الانسحاب.
بعد ثورة العشرين تعلم البريطانيون من الدرس، وبدؤوا الانسحاب بعد تشكيل حكومة من وجهاء العراقيين وشيوخهم، ولم يتبقَ لهم بعد عام 1930 سوى أماكن بسيطة جدا داخل معسكرات الجيش العراقي، كما يفيد الباحث والخبير الأمني مؤيد سالم الجحيشي.
ويضيف/ أن بريطانيا أبقت على المستشارين، وقوات قليلة نسبيا مهمتها تأمين القرى وبعض المناطق النائية، ولم تكن تمتلك معسكرات كبيرة.
وحسب رأي الجحيشي فإن الاحتلال البريطاني كان بناء وليس احتلال هدم وتدمير، كما فعل الأميركان عام 2003، حيث أسهم البريطانيون في تأسيس الجيش والدولة العراقية الحديثة.
تداعيات مستمرة.
وحول تداعيات تلك المرحلة المهمة من تاريخ العراق، يقول أستاذ التأريخ السياسي المعاصر الدكتور أحمد فكاك البدراني إن الأسلوب السياسي البريطاني في الدول التي يستعمرها مبنية على عدد من الركائز.
ويوضح، أن الاحتلال البريطاني ترك منطقة رخوة في البلد يمكنه استغلالها أي وقت، مثل المشكلة الكردية والتي تشبه مشكلة كشمير بين الهند وباكستان.
كما زرع في نفوس العراقيين فكرة التعليم من أجل التوظيف وليس من أجل المعرفة، وكذلك التبعية الاقتصادية والسياسية، وعدم اتخاذ القرارات وبناء العلاقات إلا بعد أخذ الإذن من الحكومة البريطانية.
ويتابع البدراني بأن بريطانيا عملت على تصعيد الصراعات بين الشخصيات السياسية العراقية وفق مبدأ “فرق تسد”.
ويعزو سبب استمرار تدهور الأوضاع (في هذه الفترة) إلى جدلية تتعلق بنفسية العراقي من جهة بوصفه رافضا للمحتل، ونفسية البريطاني المؤمن بأنه الأرقى والأذكى ومن حقه أن يحكم بالتاج البريطاني ما شاء من الكرة الأرضية، ومن هناك كان عدم الانسجام بين الطرفين.