بعد اربعة عقود ونيف عاد العراق الى عصر الظلمات
د. نصيف الجبوري
بعد اربعة عقود ونيف عاد العراق الى عصر الظلمات منذ اكثر من اربعين عاما لم يرى الشعب العراقي اي افق لنهاية النفق الذي هو فيه. اذ تتفنن القوى الاستعمارية الامريكية المهيمنة على المنطقة من توريط العراق في مآزق متعددة عبر وسائل شتى. فقد تمكنوا من ترويض العراقيين عبر حجج ظاهرها براق وفي حقيقتها العذاب الاليم.ففي ايلول/ سبتمبر عام 1980 تمكنت امريكا من توريط النظام السابق في حرب مع ايران اهلكت الحرث والنسل خلال ثمان سنوات طوال. تمكنت خلالها خلق هوة كبيرة بين المسلمين والمسلمين وبين العرب والعرب. ثم اختارت ايران الطريق العنصري الفارسي القومي واستغلت المذهب وحاولت تفريسه لمصلحتها. تمكنت ايران ايضا من تجنيد وكلاء لها في العراق عن طريق الشحن الطائفي وتمكنت من خلق شرخ اجتماعي بين مكونات الشعب العراقي. بدا مع بداية الحرب وتفاقم مع استمراريتها. امريكا من جهتها جندت نفس الوكلاء الذين جندتهم ايران لتلعب على نفس الوتر الطائفي الذي استغلته ايران. عملت امريكا بما تمتلكه من نفوذ بالمنطقة من جعل قادة الطائفة الشيعية السياسيين والدينيين رهن اشارتها ليكونوا حصان طروادة لمخططهم لاحتلال العراق.من اجل اكمال المخطط الاستعماري الامريكي الاسرائيلي تمكنت امريكا من ايقاع الرئيس العراقي مرة اخرى في اتون الحرب المدمرة فاغرته في فخ احتلال الكويت. مما جعلها تحقق مكاسب مهمة منها تمزيق التضامن العربي ونزع ورقة القومية التي كان يتشبث بها الرئيس العراقي. ثم خططت بعناية لتحطيم القوة العراقية التي تغيض إسرائيل. عملت امريكا ايضا على تدمير الاقتصاد العراقي وزيادة الاستقطاب الطائفي الذي يصب لصالحها وصالح ايران.طيلة الفترة الماضية خصوصا اثناء الحصار الظالم على الشعب العراقي تمكنت امريكا من تحجيم النظام العراقي وتاكل ما بقى من شعبيته العربية والداخلية. اعتمدت على خونة العراق الطائفيين. الذين لم يكن لهم اي هم سوى السيطرة على ثروات العراق. لخدمة مصالحهم الشخصية وتعزيز المد الشعوبي المعادي للعرب. الذي يصب بالنهاية لمصلحة ايران من الناحية الاستراتيجية. تمكنت امريكا من كسب قادة الشيعة العراقيين للاصطفاف مع الظلمة الكفار الامريكان وشق وحدة الشعب العراقي. في حين ظل النظام العراقي غير ابه بالمخططات الطائفية الامريكية الاسرائيلية بالمنطقة. كان همه الاساسي المحافظة علىسلطته المتاكلة باي ثمن.ذهبت المعارضة العراقية الولائية الطائفية غير الوطنية بعيدا في خيانة الوطن. فتركوا خيار مخطط احتلال العراق لامريكا وحدها. بل توسطوا وتوسلوا بالامريكان للتعجيل في تنفيذه واتصلوا بالايرانيين والكويتيين والسعوديين لتسهيله. كانوا البوق الاعلامي الامريكي بلغة عراقية ضد العراق كدولة وضد البلدان العربية والاسلامية وشعوبها. تحولوا الى مرتزقة لخدمة مآرب إسرائيل وامريكا وايران. ثم دخلوا مع الجيش الامريكي كادلاء واجراء لتنفيذ ما تريد امريكا تحقيقه. اطلقوا على الاحتلال الذي اعترفت به امريكا نفسها بانه تحرير. كان جندي او ضابط امريكي بسيط يامر وينهي رئيس الحكومة او الوزير او النواب. اما بريمر فكان يصدر القوانين المدمرة كحل الجيش وغيره كما يحلوا له. كان يحث السياسيين الشيعة بان لا ينخرطوا في صف مواجهة الاحتلال. كما انخرط اجدادهم في مواجهة الاحتلال البريطاني عشية الحرب العالمية الاولى. كان يقول لهم مثلما سلمناكم السلطة يمكن ان نسلمها لغيركم. كان يلمح لهم كي يبقوا موالين للاحتلال وان عدوهم الحقيقي هم الارهابيين المقاومين للاحتلال.اما اليوم فلا يزال التعصب الطائفي الاستئصالي يهيمن على الساحة العراقية. فلا تزال جرائم التطهير الطائفي تسير على قدم وساق. لقد تجاوز طائفي العراق كل الحدود ليدخلوا في خانة الرعاع عندما عمدوا من الانتقام من الاموات والرموز التاريخية اضافة الى جرائمهم ضد الاحياء العراقيين الوطنيين. ان حقدهم الاعمى هداهم هذه المرة للانتقام من نصب الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور مؤسس وباني العاصمة العراقية. لقد وصل الامر من خونة الوطن للمطالبة بازالة ذلك النصب من بغداد. باني العاصمة بغداد التي يتمتع عملاء الاحتلال بالمكوث فيها والتي استولوا عليها بفضل الجيش الامريكي. ينكرون احسان مؤسسها المنصور وصدق الحديث القائل اتق شر من احسنت اليه. ان هذا الامر ليس بالغريب لان الايدولوجية الطائفية التي تحكم العراق تكفيرية ارهابية تهدف الى محو التاريخ الاسلامي الجامع. والتركيز على المذهب والطائفة التي يعتبرونها الطائفة الناجية والتي تمثل الاسلام. يزكون انفسهم ويقرون بافضلية عقيدهم بدون سلطان. هؤلاء الطائفيون يسيرون على نفس نهج اليهود الذين يقولون بانهم سادة الامم وباقي الناس عبيد لهم.نحن اليوم امام ردة كبيرة تفوق ردة مسيلمة الكذاب لانها ردة من يدعي الاسلام نفسه. فباسم الاسلام يهدمون عرى الدين لبنة لبنة. ويعملون لتاسيس دين جديد لا علاقة له بالاسلام الذي نزل على محمد ابن عبدالله. ردة ابطالها الطائفيون العراقيون والتي تهدف الى تهديم الإسلام المستقل العادل.لم يبق من العراق اليوم سوى اشلاء دولة كانت في يوم من الايام نموذجا لغيرها. اما اليوم فما هي الا كتل ومكونات سكانية متصارعة. كل كتلة تخطط لاستئصال الاخرى يسوقها التعصب المذهبي الطائفي التكفيري. يحكمها رئيس وزراء عاجز عن تطبيق اي قانون او قرار يخص امان شعبه. عاجز عن تحجيم مليشيا الحشد الولائي والاحزاب الدينية الاستئصالية المليشياوية. فمن المعروف ان المليشيات المسلحة والعصابات والعشائر تفرض قوانينها بالقوة على الشعب. ولا تستطيع الحكومة حتى حماية نفسها منها. الشعب العراقي ياس من اي حل ترقيعي قادم. ان الخيار الامريكي الايراني والدول المجاورة الاخري تهدف لابقاء العراق خارج عن بقية الامم وخارج الحضارة واغراقه في بحور من الظلمات .