بعد أن أمسكوا المسؤولية بلا شعور بالمسؤولية..!
قاسم العجرش
يقول الفيلسوف الألماني نيتشه، إنّ “ما تحتاج إليه دولة، ما لتصير في مقام ديانة أو عقيدة، هو بالذات جيش من الأغبياء، فهؤلاء ينقادون بسهولة، ويصدقون الأكاذيب بسهولة، بل وقد يكذبون ويصدقون أنفسهم”.هل بنينا دولة فاشلة؟! يبدو السؤال غريبا الى حد مخيف، لا سيما أن العراق بلد بنظام سياسي “ديمقراطي”، ولدينا اجهزة تمثيلية جائت بإنتخابات؛ امتازت بدرجة مقبولة من المصداقية، وإن كانت هذه الدرجة بحدودها الدنيا، فضلا عن أن هامش الحريات ما يزال لدينا جيدا، إذ بإمكان أي عراقي، أن يشتم أي مسؤول في الدولة، مهما علت مرتبته دون ان يتلقى ردا موجعا، أو أن يودع بالسجن مثلا..المصداق لهذه الرؤية؛ أن كثير من الأصوات صاحت “كلهم حرامية”، لكن المتصدين للعمل السياسي؛ ولمسؤولية الدولة تسامحوا كثيرا، وبدوا وكأن الصيحات ليست موجهة لهم، بل لأشباح غير مرئيين!هكذا هي تفاهة السياسة، جيوش من الأغبياء؛ حولوا الدولة الى ديانة لهم ولإتباعهم، بعد أن أمسكوا المسؤولية بلا مسؤولية!هذه أطروحة خطيرة تحيلنا الى سؤال؛ هو لماذا يقود الأغبياء مفاصل الدولة؟!وتأتي الإجابة بسؤال، هو ومنذ متى كانت الدولة الفاشلة بحاجة إلى الأذكياء؟!الدول الفاشلة لم تقم إلا على إقصاء الأذكياء والعباقرة، وكل الذين يتمتعون بعقول متقدة، وبصيرة نفاذة، يجري عقابهم بأشكال مختلفة، والسبب لأنهم أذكياء!الدولة الفاشلة تتحول شيئا فشيئا الى دولة شمولية، وهذه تستعين دوما بجحافل من الأغبياء لفرض سياستها؛ لأن الغباء شرط أساسي؛ لأن يكون المرء من ضمن “السيستم”، وبخلافه فمكان العلماء والمثقفين وأصحاب الأفكار النيرة، هو الحديقة..!الدولة الفاشلة تتحدث دائما؛ عن “هيبة الدولة”، و”الهيبة” عندها هو أن يتحول المواطن فيها، الى “كائن” مطيع وجزء من قطيع..الدولة راعي يسير الى امام وبيده مزمار، والشعب خلفه يسير كقطيع، لا يعرف إن كان الراعي يأخذه الى المرعى أو الى المجزرة، فقط على الشعب ان يسير خلف الدولة، حتى إذا أجلت الإنتخابات للمرة اثانية والثالثة والرابعة، وحتى إذا أقرت موازنة نستدين فيها الأموال، من أجل أن نعطيها الى كردي يريد الإنفصال عن البلاد!!الدولة الفاشلة همها الأول والأخير ان تقتل الثقافة، فالدولة والثقافة لا يمكن الجمع بينهما، “كلما سمعت كلمة مثقف تحسست مسدسي”، أحدى أشهر عبارات غوبلز؛ وزير الدعاية السياسية النازى ، فى عهد الزعيم النازى أدولف هتلر، وقد يتحسس نعله..!مفهوم الدولة الفاشلة مناقض تماما لمفهوم الثقافة، ولنقل أن الثقافة هي التي تقف عند الطرف النقيض.الدولة الفاشلة ليست معنية برعاية الثقافة، التي تعنى بقيم الحرية، التي تمكّن الأفراد من ممارسة وجودهم، والمحصلة أن أكبر مشروع “ثقافي” للدولة الفاشلة، هو اقتلاع “الثقافة” من جذورها، والقضاء على الثقافة التي تنتج القيم الإنسانية، والتي تبشّر بالسعادة الإنسانية، وأن تحل محلها ثقافة أخرى، تنتج قطعان من الرعاع يركبون “الستوتة” بأحذية بلا جوارب! بينما تقبع قيمة العالم والفيلسوف والكاتب والفنان، في أسفل السُلَّم الاجتماعي، بهدف استبعاد أصواتهم التنويرية، التي تشكل تهديدًا مستمرًا، للدولة الفاشلة ولقيمها ولطبقتها السياسية.استمرارية الدولة الفاشلة، وديمومة الطبقة السياسية التي بنتها، مرهون بتدمير الثقافة، أو على الأقل تعطيل أدواتها الإبداعية، وبمحاصرة المعرفة، والتقليل من قيمة العلماء والفلاسفة، وبالنفخ على رماد الصراعات، حتى تظل متقدة باستمرار، لأجل وضع أطياف المجتمع المختلفة في حالة توتر مستمر، وهو ما أطلق عليه نيتشه مصطلح التعطش إلى تمزيق بعضهم بعض.كلام قبل السلام: أفق العراق ملبّذ بسحب الشؤم، بسبب غلبة السياسي على الثقافي..!سلام…