بطاقتنا التموينية .. في شباك كورونا
د. خالد الخفاجي
لا نريد في هذا المقال أنْ نتطرق إلى خير البطاقة التموينية في وطننا المنكوب قبل احتلاله، وكيف رممت جوع الفقير، وأرضت طمع الثري، وكم كانت عدد المواد الغذائية التي تفوق العشرين مادة، وأنواعها التي تحملها إلى بيوت العراقيين، وتمسح دموع عوز العراقيين، وترسم الابتسامة ولو بقدرٍ ضيّق على شافههم اليابسة إبَّانَ الحصار الاقتصادي المر الذي كانوا يعانون من كابوسهِ المقيت، لا نريد ذكر هذا الوشم المطبوع في ذاكرة كل بيت عراقي في ظل حكمٍ عنيف، رغم المحاولات العديدة والمختلفة لطمسهِ، كي لانتهم بتمجيد زمنٍ ما.
ولكن في ذات الوقت نجد بطاقة التموين هذا اليوم، تجبر الجميع ليتذكر بطاقة تموين الأمس، وخاصة في هذه الأشهر التي مازال الرعب يهيمن فيها على العالم نتيجة حرب فيروس كورونا كوفيد19، والتي اندلعت من مدينة ووهان الصينية يوم 31 كانون الأول/ ديسمبر 2019، واحرقت الحلم البشري على هذه البسيطة، حيث توحّد الخوف والرعب الإنساني في كل مكان من العالم، ولكن المفارقة هي أنَّ العالم رغم الخوف والرعب لم يتلاشى الأمل والتفاؤل بمستقبل آخر جديد خالٍ من كورونا، وبدأ الناس في مختلف بقاع الأرض بصناعةِ أنماطٍ ثانية مليئة بالعمل والتعاون نحو خلق حياة أجمل من أجل الإنسان ذاته، لكن في عراقنا الموبوء بالفساد اختلف الحال أكثر مما كان عليه قبل فيروس كورونا الذي بدأ بالانتشار في مدن عراقنا التي تتعكز على جروحها المثقلة بالوجع في 24 من شباط 2020، حيث بدأ انتشاره من مدينة النجف على خلفية فحص عينة من طالب دين إيراني الجنسية وكانت النتيجة إيجابية لإصابته بمرض فيروس كورونا، بعد ذلك تم الكشف عن حالات أخرى مصابة، وهذه كانت بداية لنوعٍ من الفساد الجديد بكل تفاصيله البشعة جدا، حيث تفنن أرباب الفساد في عراقنا الحزين، بأنواع من سيناريوهات السرقات التي لا تخطر حتى على بال الشيطان ذاتهُ بدءا باستيراد الأدوية الفاسدة على إنها علاجات وفتأمينات مقوية للمناعة والتي تبين لاحقا بأنها عبوات من الطحين وغيرها من أنواع الأدوية التي لا يقوى المواطن على شرائها بسبب أسعارها الباهظة، وسرقات الأموال التي تم تخصيصها لحجر المصابين في الفنادق، ناهيك عن عدم اتخاذ التدابير الوقائية والاحترازية الصحيحة والمدروسة التي من شأنها الحد من انتشار الفيروس بين أفراد المجتمع، الأمر الذي جعل عدد المصابين يأخذ بالتزايد في الوقت الذي بدأ الفيروس في دول العالم ينخفض بشكل واضح وملموس، كما أنَّ تردي الأوضاع الخدمية في مختلف قطاعات الدولة وفي مقدمتها الكهرباء التي أصبحت حلم المواطن في هواء بارد في أوقات نومه وتناوله وجبات الطعام في عزِّ الصيف اللاهب، حتى بات يأكل ويمسح سيلان العرق من جوانب وجهه وجسده، مما أدى إلى تراجع الحالة النفسية للمواطن بشكلٍ تام وهذا ما يجعل الفيروس اللعين يصطاد ضحاياه بسهولة، كما هو الحال الذي جعل فيروس الفساد يصطاد العراقيين بطرقٍ أسهل من كورونا بمئات السرعات والجرعات، حتى وصل إلى البطاقة التموينية التي هي الحلم الشهري للمواطن البسيط، والتي لم تبقي بها حكوماتنا الرشيدة منذ 2003 حتى بداية انتشار فيروس كورونا في العراق سوى الرز المخلوط بالأوساخ والعيدان، والزيت والسكر والطحين، ولم يقتنع بهذه النتيجة من البطاقة التموينية، القائمين على ذبح العراق وإعادته إلى قرون الدكتاتورية والقمع والجوع، بل حقنوها بجرعة كورونية قصوى وقضوا عليها وعلى حلم المواطن تماما، حيث سرقوها كلّها ولم يبق للمواطن سوى مادة واحدة وهي إما الرز أو الطحين.
وهذا ما أوصل المواطن إلى حالة نفسية وتشاؤمية يعيشها الإنسان في حياته، حتى أصبح المواطن العراقي يجسد الآية الكريمة ( وتراهم سكارى وماهم بسكارى )،ويمشي ويعدُّ أيام عمرهِ وخلاصه من هذا الوطن الحضاري الذي أعادوه القادمون على ظهور الدبابات إلى عصور الجهل والظلام، وطعنوه بخاصرتهِ واشتدَّت على جسدهِ النكبات، وكان الله بعونك ياعراق.